منتدى قرية اخطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يسر منتدى قرية اخطاب ان يرحب بالسادة الزوار .. ويتمنى لهم قضاء وقتا سعيدا ومفيدا ... يتم التسجيل أولا فى المنتدى ثم الذهاب إلى لفتح صندوق الوارد (inbox) ستجد رسالة بعنوان منتدى قرية اخطاب يتم الضغط عليها ثم الضغط على رابط التفعيل وإا لم تجد الرسالة فى صندوق الوارد ستجدها فى (spam) وبعدها سيتم دخولك على المنتدى ... ويسعدنا ونتشؤف بان تكون عضوا معنا
اترككم فى عناية الله وتوفيقة ... مع تحياتى مدير المنتدى ... مصطفى شلبى
منتدى قرية اخطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يسر منتدى قرية اخطاب ان يرحب بالسادة الزوار .. ويتمنى لهم قضاء وقتا سعيدا ومفيدا ... يتم التسجيل أولا فى المنتدى ثم الذهاب إلى لفتح صندوق الوارد (inbox) ستجد رسالة بعنوان منتدى قرية اخطاب يتم الضغط عليها ثم الضغط على رابط التفعيل وإا لم تجد الرسالة فى صندوق الوارد ستجدها فى (spam) وبعدها سيتم دخولك على المنتدى ... ويسعدنا ونتشؤف بان تكون عضوا معنا
اترككم فى عناية الله وتوفيقة ... مع تحياتى مدير المنتدى ... مصطفى شلبى
منتدى قرية اخطاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى قرية اخطاب

ايد واحدة نبنى بلدنا
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول
أخــطـابُ يـا قـلعةً للنـورِ زاهـرةً فيك العفافُ ومنك الطهرُ والأدبُ لو لم أكن فيك يا أخطابُ مولودًا لبحثْتُ عنكِ كما أوصت بكِ الكتبُ الناسُ حيرى بعيدًا عنكِ يا أملى حــتى إذا مـا أتـوْكِ فـاتَهُـم تـَعَــبُ أهلُ الفضائلِ فى أنحائِك اجتهدوا كى يُسعدوا كــلّ مُـحتاجٍ لهُ طـلـبُ كلّ المكارمِ والأخلاقِ قد جـمعتْ مجدَ الفراعين حتى جاءكِ الـعـربُ دوماً أتيهُ عـلى مـرّ الـزمـانِ بكِ أفضالكِ الغرّ قدْ هامتْ بها السحبُ الشمسُ والنجمُ والأقمارُ ظلّ لها من أهـلـكِ الصـالحينَ دائماً نسـبُ أخـطـابُ أنتِ التى فى قلبنا أبـداً أنتِ التى فى شغافِ القلبِ تحتجبُ حبّ البـلادِ التى عاشتْ بداخـلِنا فرضٌ على من إلى الأخلاقِ ينتسبُ
المواضيع الأخيرة
» ارقى مناطق التجمع الخامس بمنطقة اللوتس الجنوبية
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالثلاثاء مايو 06, 2014 11:10 pm من طرف رحاب صلاح

» شراء شات صوتي و يدعم ايضا الكاميرات-شراء دردشة صوتيه-شراء دردشة كامات
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:19 am من طرف رحاب صلاح

» هل موقعك الالكتروني يتوقف دائما؟ هنا الحل www.qpali.com
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:16 am من طرف رحاب صلاح

» معلومات تهمك عن التجمع الخامس
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:14 am من طرف رحاب صلاح

» استضافة لينوكس أو استضافة الويندوز : تعلم كيفية اختيار الاستضافة المناسبة لك
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:49 am من طرف رحاب صلاح

» منتج الدردشة الأفضل والأقوى في العالم تفضلوا بالدخول وقراءة هذا الموضوع
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:47 am من طرف رحاب صلاح

» اسعار التمليك والمفروش في المهندسين
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:44 am من طرف رحاب صلاح

» احمي موقعك وزوارك من الهاكر وسمعة موقعك على محركات البحث www.qpali.com
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:20 pm من طرف رحاب صلاح

» طريقة شراء 123 شات فلاش من أي مكان في العالم
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:19 pm من طرف رحاب صلاح

» افخم مناطق المهندسين
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:17 pm من طرف رحاب صلاح

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 84 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 84 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 285 بتاريخ الخميس أكتوبر 10, 2024 3:31 pm
عداد الزوار
تصويت

 

 كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرحمن حسن

عبد الرحمن حسن


عدد المساهمات : 56
نقاط : 168
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/03/2011

كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس   كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس Emptyالخميس يوليو 28, 2011 5:38 am


الباب الحادي والعشرون
في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه بالخروج إلى أرض الحبشة
وقال: «إنَّ بِهَا مَلِكًا لا يُظْلَمُ النَّاسُ بِبلاَدِه، فَتَحَرَّزُوا عِنْدَه حَتَّى يَأتيكُم اللَّهُ بِفَرَجٍ مِنْه» .
فخرج جماعة واستخفى آخرون بإسلامهم.
والذين خرجوا إلى الحبشة كانوا أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
وكان خروجهم في رجب من السنة الخامسة من حيث نُبِّىء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وخرجت قريش في آثارهم ففاتوهم.
فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم وسمعوا: (تلك الغرانيق العُلَى) وإنما قالها بعض الشياطين لا أنها جرَتْ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سجد في السورة سجد المشركون معه، ورفع الوليد كفّاً من تراب إلى جبهته.
فبلغ ذلك أهلَ الحبشة، فقالوا: إذا كانوا قد آمنوا فلنرجع إلى عشائرنا.
فرجعوا، فلقيهم رَكب فسألوهم، فقالوا: ذكَر محمد آلهتكم فبايعوه، ثم عاد عن ذكرها فعادوا له بالشر.
فلم يدخل أحد منهم إلا بجِوارٍ إلا ابن مسعود، فإنه مكث قليلاً ثم رجع إلى أرض الحبشة.
فسَطَتْ بهم عشائرهم وآذوهم، فأذِن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج مرة أخرى، فخرجوا، وخرج معهم خَلْق كثير.

قال ابن إسحاق: جميع مَنْ لحقَ بأرض الحبشة سوى أبنائهم الذين خرجوا معهم صغاراً أو ولدوا بها: نيِّفٌ وثمانون رجلاً، إن كان عمار بن ياسر منهم.
وقال الواقدي: كانوا ثلاثة وثمانين رجلاً، ومن النساء إحدى عشرة قُرَشية وسبع غرائب.
عن عمرو بن العاص قال: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعتُ رجالاً من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون منِّي، فقلت لهم: تعلمون والله إني لأَرى أمرَ محمد يعلو الأمورَ علوّاً مُنْكراً، وإني قد رأيت رأياً فما ترون فيه؟
قالوا: وما رأيتَ؟
قال: رأيتُ أن نَلْحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنا أن نكون تحت يده أحبُّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن ممَّن عَرَفْنا فلن يأتينا منهم إلا خير.
فقالوا: إن هذا الرأيُ.
قلت: فاجمَعوا ما نُهْدِي له، وكان أحبَّ ما يُهْدَى إليه من أرضنا الأدَم فجمعنا له أدَماً كثيراً.
ثم خرجنا حتى قدِمْنا عليه، فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضَّمْري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، قال: فدخل عليه ثم خرج من عنده.

قال: قلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية، لو قد دخلتُ على النجاشي لسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلتُ ذلك رأت قريش أني قد أجَزَأْتُ عنها حين قتلتُ رسولَ محمد.
قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبا بصديقي، أهديتَ لي من بلادك شيئاً؟
قال: قلت: نعم أيها الملك، قد أهديت لك أدَما كثيراً.
قال: ثم قدَّمته إليه فأعجبه واشتهاه، ثم قلت: أيها الملك إني قد رأيت رجلاً قد خرج من عندك، وهو رسولُ رجلٍ عدوَ لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا.
قال: فغضب ثم مدَّ يده فضرب أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فَرَقا منه.

فقلت: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه.
فقال: أتسألني أن أعطيك رسولَ رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لقتله؟
قلت: أيها الملك أكذلك هو؟
قال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلَى الحق، وليَظْهرن على ما خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده.
قلت: أفتبايعني له على الإِسلام؟ قال: نعم.
فبسط يده فبايعته على الإِسلام.
ثم خرجت إلى أصحابي وقد حالَ رأيي عما كان عليه، وكتمتُ أصحابي إسلامي ثم خرجت عامداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
عن ابن مسعود قال: بَعَثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحوٌ من ثمانين رجلاً، وبعثت قريش عمرو بن العاص وعُمَارة بن الوليد بهدية، فلما دخلا على النجاشي سَجَدا له ثم قالا: إن نفراً من بني عمنا نزلوا بأرضك ورَغِبوا عنا وعن ملتنا.
قال: فأين هم؟
قالا: في أرضك.
فبعث إليهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم. فاتبعوه.
فسلم ولم يسجد، فقالوا له: مالك لا تسجد للملك؟
قال: إنا لا نسجد إلا لله عزّ وجلّ، إن الله تعالى بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا ألاَّ نسجد لأحد إلا لله عزّ وجلّ، وأمرنا بالصلاة والزكاة.
قال عمرو بن العاص: فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم.
قال: ما تقولون في عيسى بن مريم وأمه؟
قالوا: نقول كما قال الله: هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البَتُول التي لم يمسّها بشر ولم يَقْرعها ذكر.
قال: فرفع عوداً من الأرض، ثم قال: يا معشر الحبشة، والقسيسين، والرهبان، والله ما تزيدون على الذي يقول فيه ما يساوي هذا.

مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، فإنه الذي نجد في الإِنجيل، وإنه الذي بشَّر به عيسى بن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من المُلْك لأتيته حتى أكون أنا أَحْمل نعليه وأمر بهدايا الآخرين فردَّت إليهم.

الباب الثاني والعشرون
في ذكر ما كتبه المشركون من التبرِّي من بني هاشم وبني المطلب
لمَّا دفع بنو هاشم وبنو المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعت قريش وكتبوا كتاباً تعاقدوا فيه ألاَّ يَنْكحوا إلى بني هاشم وبني المطلب ولا يُنْكحوهم، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم.
وكان ذلك في سنة سبع من النبوة.
وعلَّقوا ذلك الكتاب في جوف الكعبة توكيداً للأمر.
فلما فعلوا ذلك انحاز بنو هاشم، وبنو المطلب إلى أبي طالب فدخلوا عليه في شِعبه، وخرج منهم أبو لهب وظاهَرَ المشركين.
فأقاموا على ذلك ثلاث سنين وقطعوا الميرة والمادة عنهم، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغهم الجَهْد.
وكان هشام بن عمرو بن ربيعة يُدْخل إليهم أحمالَ طعام ويكتم ذلك.
ثم نُقِض حُكم الصحيفة المكتوبة، وفي سبب نقضه قولان:
أحدهما: أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على أمر صحيفتهم، وأن الأرَضة قد أكلت ما كان فيها من جَوْر وظلم، وبقي ما كان من ذِكر الله، فذكر ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب: أحقٌّ ما تخبرني به يا بن أخي؟
قال: نعم والله يا عم.
فذكر ذلك أبو طالب لأخويه، وقال: والله ما كذَبني قط.
قالوا: فما ترى؟
قال: أرى أن تلبسوا أحسنَ ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر لهم ذلك مِن قَبْل أن يَبْلغهم الخبر.
فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا في أمر فأجيبوا فيه، قالوا: مرحباً بكم وأهلاً.
قال: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يَكْذبني قط أن الله تعالى سلَّط على صحيفتكم الأرَضةَ فلحست كلَّ ما كان فيها من جَوْر أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كلُّ ما ذُكر به الله تعالى، فإن كان ابن أخي صادقاً نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذباً دفعتُه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم.
قالوا: قد أنصفتنا.

فأرسلوا إلى الصحيفة، فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسُقِط في أيدي القوم، ثم نُكِسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: هل تبيَّن لكم أنكم أَوْلى بالظلم والقطيعة.
فلم يراجعه أحد منهم. ثم انصرفوا.
رواه محمد بن سعد عن أشياخ له.
والثاني: أن هشام بن عمرو بن الحارث العمري مشى إلى زُهَير بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمتَ لا يبتاعون ولا يُبْتَاع منهم، ولا يَنْكحون ولا يُنْكح إليهم أمَا إني أحلف بالله لو كان أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبداً.

قال: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معي آخر لقمتُ في نَقْضها.
قال: قد وجدتَ رجلاً.
قال: مَنْ هو؟
قال: أنا.
قال: ابغنا ثالثاً.
فذهب إلى المُطْعم بن عديّ، فقال له: يا مطعم، أرضيتَ أن تهلك بَطْنان من بني عبد مناف، وأنت موافق لقريش في ذلك
قال: ويحك ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد.
قال: قد وجدتُ ثالثاً.
قال: مَنْ هو؟
قال: زهير بن أمية.
قال: ابغِنا رابعاً.
فذهب إلى أبي البَخْتَرِيّ بن هشام فقال له نحواً مما قال للمُطْعم بن عدي، فقال: وهل من أحد يُعِين على هذا؟
قال: نعم، زُهَير، والمطعم، وأنا معك.
قال: ابغنا خامساً.
فذهب إلى زَمْعة بن الأسود فكلمه. فقال: وهل على هذا الأمر أحد؟
قال: نعم. فسمَّى له القومَ.
فاتّعدوا واجتمعوا، وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها.
فغدا زُهير فطاف ثم قال: يا أهل مكة، إنا نأكل الطعام، ونشرب الشراب، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هَلْكَى، والله لا أقعد حتى تُشَقَّ هذه الصحيفة الظالمة القاطعة.
فقال أبو جهل: كذبت والله لا تُشق.
فقال زَمْعة: أنت والله أكْذَبُ، ما رضينا كتابتها حين كُتبت.

فقال أبو البَخْتَريّ: صدق زَمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقرُّ به.
فقال: المطعم: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نَبْرأ إلى الله منها ومما كُتب فيها.
وقال هشام بن عمرو نحواً من ذلك.
فقال أبو جهل: هذا أمرٌ قُضِي بليل وتُشُووِرَ فيه بغير هذا المكان.
فقام مطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلاَّ ما كان من «باسمك اللهم».
وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم فشْلّت يده.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر وهو بمنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَداً بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ» .
يعني بذلك: المحصَّب. وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألاّ يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

الباب الثالث والعشرون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع ضَماد الأزْدي الوافد
عن ابن عباس: أن ضماداً قِدم مكة، وكان من أَزْد شنوءة، وكان يَرْقِي من الريح، فسمع سفهاءَ أهل مكة يقولون: إن محمداً مجنون.
فقال: لو أني رأيتُ هذا الرجل، لعل الله أن يشفيه على يدي
قال: فأتيته فقلت: يا محمد، إني أرقي من الريح وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الحَمْدَ دِ نَحْمَدُه ونَسْتَعِيْنُه، مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ له، وَمَن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأشْهَدُ أنْ لاَ اله إلاَّ اللَّهُ وحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه. أمَّا بَعْدُ» .
فقال: أعِدْ عَلَيَّ كلماتك هؤلاء.
فأعادهن عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال: لقد سمعتُ قولَ الكهنة والسَّحرة والشعراء، فما سمعت مثلَ كلماتك هؤلاء ولقد بلغتُ قاموس البحر، هات يدك أبايعك على الإِسلام. فبايعه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعَلَى قَوْمِكَ؟» .
قال: وعلى قومي.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيةً فمروا بقومه، فقال صاحب الجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟
قال رجل: أصبت منهم مُظهرةً.
قال: رُدَّها فإن هؤلاء قوم ضِمَاد.

الباب الرابع والعشرون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة
عن جابر بن عبدالله قال: اجتمعت قريش يوماً فقالوا: انظروا أَعْلَمكم بالسِّحر، والكهانة، والشعر، فلْيَأت هذا الرجل الذي قد فرَّق جماعتنا، وشّتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلِّمه فلينظر ماذا يردُّ عليه.
فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة.
فقالوا: ائته يا أبا الوليد.
فأتاه عُتبة، فقال: يا محمد، أنت خيرٌ أم عبدالله؟ فسكت.
ثم قال: أنت خيرٌ أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خيرٌ منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتها، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، ما رأينا سَخْلة أشأمَ على قومه منك، فرَّقت جماعتنا، وشتَّت أمرَنا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الباه فاختر أيَّ نساء قريش فلنزوجك عشراً، وإن كان إنَّما بك الحاجة جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنى قريش رجلاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرغت؟» .
قال: نعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حم تنزيلٌ من الرحمن الرحيم. كتابٌ فُصِّلت آياته قُرْآناً عربيّاً لقومٍ يعلمون. بشيراً ونذيراً} حتى قرأ: {س41ش13فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }(فصلت:13)
فقال له عتبة: حسبك، فما عندك غير هذا؟
قال: «لا» .
فرجع إلى قريش، فقالوا له: ما وراءك؟

قال: ما تركتُ شيئاً أرى أن تكلموه به إلا وقد كلمته.
قالوا: فهل أجابك؟
قال: نعم.
قال: لا والذي نَصَبها بنِيَّة ما فهمت مما قال غير أنه قال: «أنذرتكم صاعقة مثل صاعقةٍ عاد وثمود».
قالوا: ويلك يكلِّمك بالعربية ولا تدري ما يقول
قال: والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة.

الباب الخامس والعشرون
في ذكر ما أشار به الوليد على قريش في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن سعيد بن جُبَير: أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفرٌ من قريش، وكان ذا سنَ فيهم، وقد حضر الموسمُ.
فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستَقْدُم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيُكَذِّب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً.
قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقِمْ لنا رأياً نقل به.
قال: بل أنتم فقولوا واسمعوا.
قالوا: نقول إنه كاهن.
قال: ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما هو بزَمْزَمتهم ولا سَجْعهم.
قالوا: نقول إنه مجنون.
قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هم بخنقه، ولا تخالُجه، ولا وسوسته.
قالوا: فنقول إنه شاعر.
قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه، وهزجه، ومقبوضه، ومبسوطه، فما هو بالشاعر.
قالوا: فنقول: ساحر.
قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسِحرهم، فما هو بنَفْثه، ولا عَقْده.
قالوا: فما نقول؟
قال: والله إن لقوله حلاوة، وإن أصله لعَذْق وإن فرعه لَجَناة وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا: هذا ساحر، يفرِّق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته. فتفرَّقوا عنه بذلك.

عن عمرو: أن الوليد بن المغيرة قال: قد سمعت الشعر رجزه وقريضه فما سمعت مثل هذا؛ يعني: القرآن، ما هو بشعر، إن عليه لطلاوة وإن له لنوراً، وإنه يعلو وما يُعْلَى.
عن عكرمة: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: أي عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً.
قال: ولم؟
قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما نقوله.
قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً.
قال: فقل له قولاً يَبْلغ قومَك أنك مِنْكر لما قال وأنك كاره له.
قال: وماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم أعلم بالأشعار مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمُثْمر أعلاه مُغْدِقٌ أسفله، وإنه ليَحْطِم ما تحته، وإنه لَيْعلو وما يُعْلَى.

فقال: والله ما يرضى قومك حتى تقول فيه.
قال: فدعني حتى انظر إليه.
قال: فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر. أي: يَأثره عن غيره. فنزل فيه: {س74ش11ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً }
(المدثر: 11)

الباب السادس والعشرون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطُّفيل بن عمرو
قال محمد بن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرَى من قومه يَبْذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة (مما هم فيه) وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذِّرونه الناسَ ومَنْ قدم عليهم من العرب.

وكان الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي يحدِّث: أنه قدم مكة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، فقالوا له: يا طُفَيل، إنك قدِمْت بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أَظْهُرنا قد أَعْضَلَ بنا، وفَرَّق جماعتنا، وإنما قوله كالسِّحر، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وزوجته، وإنما نَخْشَى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلِّمه ولا تسمع منه.
قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ على ألاّ أسمع منه شيئاً ولا أكلِّمه، حتى حشوتُ أُذنيّ حين غَدوت إلى المسجد كُرْسُفاً، فَرَقاً من أن يَبْلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوتُ إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يصلِّي عند الكعبة.
قال: فقمت قريباً منه، فأبَى الله إلا أن يُسْمعني بعضَ قوله.
قال: فسمعت كلاماً حَسَناً، فقلت في نفسي: واثُكْل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يَخْفَى عليَّ الحَسَنُ من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قَبِلْتُهُ، وإن كان قبيحاً تركته.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فاتبعته حتى دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا. للذي قالوا، فوالله ما برحوا يخوِّفونني أمرَك حتى سَدَدْتُ أذني بكُرْسُف لئلا أسمع قولَك، ثم أبَى الله إلا أن يُسْمعنيه، فسمعتُ قولاً حسناً، فأعرض عليَّ أمرَك.
قال: فعرض عليَّ الإِسلام، وتلا عليَّ القرآن، فوالله ما سمعت قولاً قط أحسنَ ولا أمراً أعدلَ منه.
قال: فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني أمرؤ مُطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإِسلام، فادعُ الله أن يجعل لي آية لتكون لي عَوناً عليهم فيما أدعوهم إليه.
قال: فقال: «اللهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً» .

قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيَّة تُطْلِعني على الحاضر وقع نورٌ بين عينيَّ مثل المصباح.
قال: فقلت: اللهم اجعله في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مُثْلةٌ وقعت في وجهي لفراقي دِينَهم.

قال: فتحوَّل فوقع في رأس سَوْطي. فجعل الحاضرون يتراءَوْن ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلَّق وأنا أَنْهبطُ إليهم من الثَّنية.
قال: حتى جئتهم فأصبحتُ فيهم، فلما نزلتُ أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً.
قال: فقلت: إليك عني يا أبت، فلستُ منك ولستَ منِّي.
قال: ولِم أي بنيُّ؟
قال: قلت: أسلمتُ وبايعت محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال: أي بني، فديني دينك.
(قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهِّر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت.
قال: فذهب) فاغتسلَ وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإِسلام فأسلم.
قال: ثم أتتني صاحبتي، فقلت لها: إليك عني فلستُ منك ولست مني.
قالت: ولم بأبي أنت وأمي؟
قال: قلت: فرَّق بيني وبينك الإِسلام. فأسلمتْ.
ثم دعوت دوساً إلى الإِسلام، فأبطأوا عليَّ ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت: يا نبي الله، إنه قد غلبتني دَوْس فادع الله عليهم.
قال: «اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إلى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وارْفُقْ بِهِم» .
قال: فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإِسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقضى بدراً وأحداً والخندق، ثم قَدِمْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس.

الباب السابع والعشرون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب عند موته

عن سعيد بن المسيَّب قال: لما احتضِر أبو طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبدالله ابن أبي أُمية، وأبو جهل بن هشام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمِّ، إنَّك أعَظَمُ النَّاسَ عَلَيَّ حَقًّا وأحْسَنُهُم عِنْدِي يَدًا، ولأَنْتَ أَعْظَمُ عَلَيَّ حَقاً من وَالِدِي، فَقُلْ كَلِمَةً تَجِبُ لَكَ بهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ، قُل: لا اله إلاَّ اللَّهُ» .
فقالا له: أتَرْغَب عن ملة عبد المطلب؟
فقال: أنا على ملة عبد المطلب ومات.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لأءَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» .
فأنزل الله تعالى: { ما كان للنبيِّ والذين آمَنُوا أن يَسْتَغْفروا للمشركين ولو كانوا أولي قُرْبَى} إلى قوله: {س9ش113/ش114مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو?اْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأًّبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }(التوبة: 113 ـ 114)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: «قُلْ: لاَ اله إلا اللَّهُ أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ»
فقال: لولا أن تعيِّرني قريشٌ فيقولون إنما حَمَله على ذلك الجَزَع لأقرَرْتُ بها عَيْنك.
فأنزل الله عز وجل: {س28ش56إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
(القصص: 56)

انفرد بإخراجه مسلم.
وهكذا رُوي لنا الجَزَع ـ بالجيم والزاي ـ وأهل اللغة ينكرون ذلك. قال ثعلب: إنما هو الخَرَع ـ بالخاء والراء ـ وهو الضعف والخوَر.

عن عبدالله بن ثعلبة بن صُعَير العُذْري قال: قال أبو طالب: يا ابن أخي، لولا رهبة أن تقول قريش وهرني الجَزَع فتكون سُبَّةً عليك وعلى بني أبيك، لفعلت الذي تقول، وأقررت بها عينك لِمَا أرى من شكرك وَوَجْدك بي ونصيحتك لي.
ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد صلى الله عليه وسلم، وما اتبعتم أمرَه فاتَّبِعوه وأعينوه تَرْشدوا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِمَ تَأمُرْهُمْ بِهَا وتَدَعُهَا لِنَفْسِكَ؟» .
فقال أبو طالب: أما إنك لو سألتني الكلمة وأنا صحيح لبايعتك على الذي تقول، ولكن أكره أن أَجْزَع عند الموت فترى قريش أني أخذتها جَزَعاً وردَدْتها في صحتي.
عن علي قال: أخبرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بموتِ أبي طالب فبكى، ثم قال: «اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ وكَفِّنْهُ وَادْفِنْهُ غَفَرَ اللَّهُ لهُ وَرَحِمَه» .
قال: ففعلت.
قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياماً ولا يخرج من بيته، حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية:{س9ش113مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو?اْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }
(التوبة: 113)
الآية.
قال علي: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلت.
عن علي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضال مات.
قال: «اذهب فواره ولا تُحْدث شيئاً حتى تأتيني» .
فأتيته فقلت له، فأمرني فاغتسلت، ثم دعا لي بدعوات ما يسرُّني ما عُرِض بهن من شيء.
عن ابن عباس قال: عارضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جنازة أبي طالب فقال: «وصَلَتْكَ رَحِمٌ، وجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا عَمِّ» .

عن العباس بن عبد المطلب قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، عمُّك أبو طالب، كان يغضب لك ويمنعك، هل ينفعه ذلك؟
قال: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ منْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ منَ النَّارِ» .
أخرجاه في الصحيحين.
عن محمد بن كعب القُرَظي قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه الذي قبض فيه قالت قريش: يا أبا طالب، أرسل إلى ابن أخيك فيرسل إليك من هذه الجَنَّة التي يذكر بشيء يكون لك شفاء.
قال: فخرج الرسول حتى وجد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر معه جالس، فقال: يا محمد، عمُّك يقول لك: يا ابن أخي إني كبير ضعيف سقيم، فأرسل إليَّ من جَنَّتك هذه التي تَذْكر من طعامها وشرابها بشيء يكون لي فيه شفاء.
قال أبو بكر: إن الله حَرَّمها على الكافرين.
فرجع إليهم فأخبرهم. فقال: قد بلَّغت محمداً الذي أرسلتموني فلم يُجِزْ لي شيئاً، فقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين. فسكت محمد.

فحملوا أنفسهم عليه حتى يرسل رسولاً من عنده، فوجدت الرسول في مجلسه.
قال: فقال له مثل ذلك، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا عَلَى الكَافِرِينَ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا» .
ثم قام في أثر الرسول حتى دخل معه البيت فوجده مملوءًا رجالاً فقال: «خلُّوا عن عمي» .
فقالوا: ما نحن بفاعلين، وما أنت بأحق به منا، إن كانت لك قرابة فإن لنا قرابة مثل قرابتك.
فجلس إليه فقال: «يَا عَمِّ، جُزِيْتَ خَيْراً، كَفَلْتَنِي صَغِيْراً وحضَنْتَنِي كَبِيراً، فَجُزيْتَ عَنِّي خَيْراً يا عَمَّاهُ، أعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أشْفَعُ لَكَ بِهَا عنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ» .
قال: وما هي يا بن أخي؟
قال: «قُلْ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ وحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ» .

قال: إنك لي لَنَاصح، والله لولا تُعيَّر بها بعدي فيقال: جَزِع عمُّك عند الموت. لأقرَرْتُ بها عينَك.
قال: فصاح القوم: يا أبا طالب، أنت رأسُ الحنيفية ملة الأشياخ.
فقال: أنا على ملة الأشياخ، لا تحدِّث قريشٌ أن عمك جَزِع عند الموت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ أزَالُ أسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي حَتَّى يَرُدَّنِي» .
فاستغفر له بعدما مات. فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قرابتنا، وقد استغفر إبراهيمُ لأبيه، وهذا محمد يستغفر لعمه؟ فاستغفروا للمشركين حتى نزلت الآية: {س9ش113مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو?اْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (التوبة: 113)
حتى فرغ من الآية.

الباب الثامن والعشرون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبي طالب وخديجة
عن (عبدالله بن) ثعلبة بن صُقَير قال: لما توفي أبو طالب وخديجة، وكان بينهما شهر وخمسة أيام، اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان، فلزم بيتَه وأقلَّ الخروجَ، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع (به).
فبلغ ذلك أبا لهب فجاء فقال: يا محمد، امضِ لما أردتَ، وما كنتَ صانعاً إذ كان أبو طالب حيًّا فاصنعه، لا واللات لا يُوصل إليك حتى أموت.
وسبَّ ابنُ الغَيْطلة النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه أبو لهب فنال منه، فولَّى يصيح: يا معشر قريش، صَبَأَ أبو عتبة.
فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب، فقال: ما فارقتُ دينَ عبد المطلب، ولكن أمنع ابنَ أخي أن يُضَام حتى يمضي لما يريد.
فقالوا: قد أحسنتَ وأَجْمَلت ووصَلْت الرَّحم.

فمكث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أياماً كذلك، يذهب ويأتي، ولا يعترض له أحد من قريش، وهابُوا أبا لهب، إذ جاء عُقْبة بن أبي مُعَيط وأبو جهل إلى أبي لهب فقالا له: أخبرك ابنُ أخيك أيْنَ مُدْخل أبيك؟
فقال له أبو لهب: يا محمد، أين مدخل عبد المطلب؟
قال: «مَعْ قَوْمِهِ» .
قال: فخرج أبو لهب إليهما، فقال: قد سألتُه فقال: مع قومه.
فقالا: يزعم أنه في النار
فقال: يا محمد، أيدخل عبد المطلب النار؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، ومَنْ مَاتَ عَلَى مِثْلِ مَا مَاتَ عَلَيْه عَبْدُ المُطَّلِبِ دَخَلَ النَّارَ» .
فقال أبو لهب: والله لا بَرِحْتُ لك عدوّاً أبداً وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار. فاشتد عليه وسائرُ قريش.
عن محمد بن جبير بن مُطْعم قال: لما توفي أبو طالب تناولت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.

الباب التاسع والعشرون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه إلى الطائف
عن محمد بن جبير بن مطعم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبي طالب إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، وذلك في ليال (بَقِين) من شوال سنة عشر.
قال محمد بن عمر، بغير هذا الإِسناد: فأقام بالطائف عشرة أيام. وقال غيره: شهراً. لا يَدَع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلَّمه.
فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم، فقالوا: يا محمد، اخرج من بلدنا والحقْ بمَحَابِّك من الأرض.
وأغْرَوا به سفهاءهم فجعلوا يرجمونه بالحجارة، حتى إن رجليه لتَدْميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شُجَّ في رأسه شجاجاً.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهو محزون.
فلما نزل نخلةَ قام يصلي من الليل، فانصرف إليه سبعة نفر من الجن أهل نَصِيبين فاستمعوا، فأقام بنخلة أياماً ثم أراد الدخول.

فقال له زيد: وكيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك. فأخرجَ رجلاً من خزاعة إلى مطعم ابن عدي: أدخلُ في جوارك؟
قال: نعم.
وقال محمد بن كعب القُرظي: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثَقِيف، هم سادة ثقيف وأشرافهم يومئذ، وهم إخوة ثلاثة عَبْد يالَيْل، ومسعود، وحبيب، أولاد عمرو بن عمير، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله تعالى وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإِسلام والقيام معه على من خالفه من قومه.
فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثيابَ الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أمَا وجد الله رسولاً يرسله غيرك
وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، إن كنت رسولاً كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أردَّ عليك الكلام، وإن كنت تكْذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خَير ثقيف، وأغرَوا به سفهاءهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به، حتى اجتمعت عليه الناس، وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة (وشيبة بن ربيعة) وهما فيه، ورجَع عنه من سفهاء ثقيف مَن كان يتبعه.
فعمد إلى حُبْلةٍ من عنب فجلس في ظلها، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف،
فلما اطمأن قال، فيما ذكر لي: «اللهُمَّ إنِّي أشْكُو إليْكَ ضَعْفَ قَوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وهَوَانِي عَلى النَّاسِ».
يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وأنْتَ رَبِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلَى بَعِيدٍ يُتَجَهَّمُنِي أو إلى عَدُوَ مَلَّكْتَه أمْرِي، وإن لمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي، ولكِن عَافِيَتَكَ هي أوْسَعُ لِي أَعوُذُ بِنُورِ وجْهِكَ الذِي أشْرَقَتْ بِه الظُلُمَاتُ وصَلُحَ عَلَيهِ أمْرُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ من أنْ تُنْزِلَ بي غَضَبَك، أو تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، لاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ» .

فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقِي، دَعَوَا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عَدَّاس فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب فضعه في ذلك الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه.
ففعل ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: «بِسْمِ الله» . ثم أكل.
فنظر عَدَّاس إلى وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومِنْ أيِّ البِلاَدِ أنْتَ وَمَا دِيْنُكَ؟» .
قال: أنا نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنَ مَتَّى؟» .
قال له: وما يدريك ما يونس بن مَتَّى؟
قال: «ذَاكَ أَخِيْ كَانَ نَبِيَّاً وَأَنَا نَبِيٌّ» .
فأكبَّ عَدَّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّل رأسه ويديه ورجليه.
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أمَّا غلامُك فقد أفسدَه عليك.
فلما جاءهما عدَّاس قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبِّل رأسَ هذا الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي، ما في الأرض خير من هذا الرجل لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ أُخِفْتُ في الله وَمَا يَخَافُ أحَدٌ، ولَقَدْ أوْذِيتُ فِي الله وما يُؤذَى أحَدٌ، وَلقَدْ أتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْن يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ومَا لِي طَعَامٌ يأكُلُه ذُو كَبِدٍ إلا شَيْءٌ يُوارِيهِ إبْطُ بِلاَلٍ» .
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
ومعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج فارّاً من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يُحمل تحت إبطه.

الباب الثلاثون
في دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لمّا رجع من الطائف

لمَّا رجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الطائف أرسل إلى الأخْنَس بن شَرِيق، فقال: «هَلْ أنتَ مُجِيْرِي حَتَّى أبلِّغَ رَسَالَةَ رَبِّي؟» .
فقال الأخنس: إن الحليف لا يجير على الصَّريح.
فقال للرسول: أيت سُهَيل بن عمرو فقل له: إن محمداً يقول لك: هل أنت مُجِيري حتى أبلِّغ رسالةَ ربي؟ فأتاه، فقال له ذلك (فقال): إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب.
قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أيت المُطْعِم بن عَديّ. فقل له: إن محمداً يقول لك: هل أنت مُجيري حتى أبلِّغ رسالةَ ربي؟.
قال: نعم فليَدْخل.
فرجع إليه فأخبره.
وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه، فدخل المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجيرٌ أم تابع؟
قال: بل مجير.
قال: أجَرْنا من أجرتَ.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته، ومطعم وأولاده مُطيفون به.
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَان المُطْعَمُ ابنِ عَدِيِّ حيًّا فَكَلَّمَنِي في هَؤلاِء النَّتْنَى، يَعْنِي أَسَارَى بَدْرٍ، لأَطْلَقْتُهُم لَهُ» .

الباب الحادي والثلاثون
في عَرْض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسَه على القبائل في المواسم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقفُ في الموسم على القبائل فيقول: «يَا بَنِي فُلان، إنِّي رَسُولُ الله إليْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أن تَعْبُدوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِه شَيْئاً» .
فكان يمشي خلفَه أبو لهب ويقول: لا تطيعوه.
وأتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كِنْدَةَ في منازلهم فلم يقبلوا منه.
وأتى بني حَنيفة في منازلهم فردُّوا عليه أقبحَ رَدَ.
وأتى عامرَ بن صَعْصعة.
وكان لا يدَعُ من العرب من له اسمٌ وشرَف إلا دعاه وعرَض عليه ما عنده.

وقال جابر بن عبدالله: مكث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتَّبع الناسَ في منازلهم بعكاظ ومِجَنَّة وفي المواسم يقول: «مَن يُؤوِينِي مَن يَنْصُرُنِي؟» .
عن جابر بن عبدالله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف ويقول: «ألاَ رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إلَى قَوْمِه، فإنَّ قُرَيْشَاً قَدْ مَنَعوُنِي أَنْ أبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي» .
فصل
ربما عَرَض لملحد أو قليل الإِيمان فقال: ما وَجْه احتياج الرسول أن يدخل في خفارة كافر، وأن يقول في المواسم: من يؤويني؟
فلو كان أمره حقّاً كان مُرْسلُه ينصره.
فيقال له: قد ثبت أن الإِله القادر لا يفعل شيئاً إلا لحكمة.
فإذا خفيت حكمةُ فِعْله عنا وجب علينا التسليم له.
وما جرى للرسول إنما صدَر عن الحكيم الذي أقام قوانينَ الكلِّيات، وأدار الأفلاك، وأجرى المياه وأرسل الرياح، بتدبير مُحْكَمٍ لا خلل فيه.
فإذا رأينا رسوله يشدُّ الحَجَر من الجوع ويُقْهر ويُؤذَى، علمنا أن تحت ذلك حِكَما، إن تلمَّحْنا بعضَها لاحت من خلال سُجُف البلاء حكمتان:
إحداهما: اختبار المبتَلَى ليَسْكن قلبُه إلى الرضا بالبلاء، فيؤدِّي القلبُ ما كلِّف من ذلك.
والثانية: بثُّ الشبهة من خِلاَل الحجج ليُثَاب المجتهد في دفع الشبه.

الباب الثاني والثلاثون
في ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصارسنة إحدى عشرة من النبوة
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم يَعْرض نفسَه على القبائل كما كان يصنع في كل موسم.
فبَيْنا هو عند العَقَبة لقي رهطاً من الخزرج، فقال: «مَنْ أنْتُم؟»
قالوا: من الخزرج.
قال: «أفَلاَ تَجْلِسُونَ حَتَّى أكَلِّمَكُم؟»
قالوا: بلى.
قال: فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإِسلام، وتلا عليهم القرآن.
وكان قدماؤهم يسمعون أنه سيظهر نبي من بني غالب.

عن ابن جُميع قال: لما حضرت أوسَ بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة قالوا له: قد كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فتأبى، وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين، وليس لك غير مالك.
فقال: لن يهلك هالك تَرك مثلَ مالك.
وأنشد:
ألمْ يَأْتِ قَوْمي أنَّ لله دَعْوةً
يفوزُ بها أهلُ السعادةِ والبِرِّ
إذا بُعِث المبعوثُ مِنْ آلِ غالبٍ
بمكةَ فيما بَيْنَ زَمزمَ والحِجْرِ
هنالك فابغُوا نصرَه ببلادكم
بني عامرٍ إِنَّ السعادة في النصرِ
وكان أولئك الذين عرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون من اليهود أنه قد أظلَّ زمانُ نبي.
فلما كلّمهم قال بعضهم لبعض: والله إنه للنبي الذي تَعِدكم يهودُ فلا يسبقنكم إليه.
فأجابوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا.
وكانوا ستة نفر: أسعد بن زُرَارة، وعوف بن عَفْراء، ورافع بن مالك، وقُطْبة بنِ عامر، (وعُقْبة بن عامر)، وجابر بن عبدالله بن رِئاب.
فلما قدموا المدينةَ على قومهم ذكروا لهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإِسلام حتى فشا فيهم.
فلما كان من العام المقبل قدم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقَبة، منهم الستة الذين تقدم ذِكرهم سوى جابر، ومُعاذ بن عَفْراء، وذَكْوَان بن عبد قيس، وعُبَادة بن الصامت، ويزيد بن ثَعْلبة، وعباس بن عبادة، وعُوَيم بن ساعدة، وأبو الهيثم بن التَّيِّهان.
فبايعهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قال عُبَادة بن الصامت: بايعنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ العقَبة ونحن اثنا عشر رجلاً أنا أحدُهم، فبايعناه بيعةَ النساء على أن لا نُشْرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادَنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، وذلك قبل أن تُفْرض الحرب، فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئاً فأمرُكم إلى الله، فإن شاء غفر وإن شاء عذَّب.

فلما انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مُصْعَبَ بن عُمَير إلى المدينة يفقِّه أهلها ويقرئهم القرآن.
فأسلم خَلْقٌ كثير.

الباب الثالث والثلاثون
في ذكر معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الواقدي عن رجاله: كان المَسْرَى ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثانية عشرة من المبعث، قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً.
ورَوى أيضاً عن أشياخ له قالوا: أُسْري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة.
وهذا قول ابن عباس وعائشة.
وسمعتُ شيخنا أبا الفضل بن ناصر يقول: قال قوم: كان الإِسراء قبل الهجرة بسنة. وقال آخرون: قبل الهجرة بستة أشهر.
فمن قال لِسَنة فيكون ذلك في ربيع الأول. ومن قال لثمانية أشهر فيكون ذلك في رجب. ومن قال لستة أشهر فيكون ذلك في رمضان.
قلت: وقد كان في ليلة سبع وعشرين من رجب.
عن أنس بن مالك أن مالك بن صَعْصعة حدَّثه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال:
«بَيْنَمَا أَنَا في الحَطِيْمِ» ، وربما قال قتادة: في الحجر. «مُضْطَجِعٌ إذْ أتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَقُولُ لصَاحِبِه: الأوْسَطُ بينَ الثَلاثَةِ» . قال: «فَأَتانِي فَقَدَّ» ، وسمعت قتادة يقول: «فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذه إِلى هذه» .
قال قتادة: فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟
قال: من ثغرة نَحْره إلى شعرته.
وقد سمعته يقول: من قَصِّه إلى شعرته.
قال: «فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي» . قال: «فأُتِيْتُ بِطِسْتٍ منْ ذَهَبٍ مَمْلوءَةً إيْمَاناً وحِكْمَةً، فَغَسَلَ قَلْبِي ثُمَ حُشِيَ ثُمَ أُعيدَ، ثُمَ أُتيْتُ بِدابَّة دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ أبْيَضَ» .
قال الجارود: أهو البراق يا أبا حمزة؟
قال: نعم، يضع خطوَه عند أقصى طرفه.
قال: «فَحُمِلْتُ عَلَيهِ» .

قال: «فَانْطَلَقَ بينَ جِبْرِيلَ حتَّى أتَى السَّماءَ الدُّنيَا، فاسْتَفْتَحَ فَقِيل: مَنْ هَذا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيْل: وَمَن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْه؟ قالَ: نَعَم. قِيلَ: مَرْحَباً بِه ونِعْمَ المَجِيءِ جَاءَ» .
قال: «فَفَتَحَ، فَلمَّا خَلُصْتُ إذا فِيها آدَمُ. قَالَ: هَذا أبوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيه، فَرَدَّ السَّلامَ ثمَ قَال: مَرْحَباً بِالاِبنِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحِ» .
«ثُمَ صَعَدَ حَتَّى أتَى السَّماءَ الثَّانِيَة، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيل: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيل: ومَنْ مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قِيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِليه؟ (قَالَ: نَعَمَ) قِيل: مَرْحَباً به ونِعْمَ المَجِيء جَاءَ. قَال: فَفَتَحَ» .

«فَلمَّا خَلُصْتُ إذا بِيَحْيَى وعِيْسَى وَهُما ابْنَا الخَالَةِ، قَال: هذا يَحْيَى وعِيْسَى، فَسَلِّمْ عَلَيهِمَا. قَالَ: فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا السَّلامَ ثُمَ قَالاَ: مَرْحَبَاً بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحِ» .
«ثُمَ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّماءَ الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيل: مَنْ هذا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قيل: ومَنْ مَعَك؟ قَال: مُحَمَّد. قِيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِليْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيْلَ: مَرْحَباً بِه وَنِعْمَ المَجِيءِ جَاءَ. قَال: فَفَتَحَ» .
«فَلَمَّا خَلُصْتُ إذا يُوسُفَ، قَالَ: هَذا يوسُفَ فَسَلِّمْ عَلَيهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَ قَال: مَرْحَباً بالأَخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ» .

«ثُمَ صَعَدَ حَتَّى أتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيل: مَنْ هذا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيل: ومَنْ مَعَك؟ قَال: مُحَمَّد. قيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْه؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيل مَرْحَباً بِه وَنِعْمَ المَجِيءِ جَاءَ. قَال: فَفَتَح» .
«فَلمَّا خَلُصْتُ إذا إدْرِيْسَ عَلَيهِ السَّلامُ، قَالَ: هاذا إِدْرِيْسُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ قَال: فَسَلَّمْتُ عَلَيه فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَ قَال: مَرْحَباً بالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأَخِ الصَّالِحِ» .
قال: «ثُمَ صَعَدَ حَتَّى أتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيْلُ. قِيل: ومَنْ مَعَك؟ قال: مُحَمَّدٌ. قِيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيْلَ: مَرْحَبَاً بِه ونِعْمَ المَجِيءِ جَاءَ. قَال: فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلُصْتُ فإِذَا هَارُونَ. قَالَ: هَذا هَارُونُ فَسَلِّم عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ، فَرَدَّ السَّلامُ وقَالَ: مَرْحَباً بالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأَخِ الصَّالِحِ» .
قال: «ثُمَ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيل: مَنْ هذا؟ قَالَ: جِبْرِيْل. قِيل: ومَنْ مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِليْه؟ قَالَ: نَعَم. قِيل: مَرْحَباً بِه ونِعْمَ المَجِيءِ جَاءَ» .
«فَلَمَّا خَلُصْتُ إذَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ قِيل: هَذا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ، فَقَال: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأَخِ الصَّالِحِ» .
«فَلمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ لَه: ما يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: غُلامٌ بُعِثَ بَعْدي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِه أَكْثرُ مِمَّا يَدْخُلُ من أُمَّتِي»

قال: «ثُمَ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّماءَ السَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ. فَقِيل: مَنْ هاذا؟ قَالَ: جِبْريْل. قِيل: ومَنْ مَعَك؟ قِيل: مُحَمَّدٌ. قِيل: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِليْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيْلَ: مَرْحَباً بِه، ونِعْمَ المَجِيءِ جَاءَ. قَال: فَفَتَحَ» .
«فَلَمَّا خَلُصْتُ إذَا إبْرَاهِيمُ، فَقَال: هَذا إبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء السادس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قرية اخطاب  :: اسلاميات-
انتقل الى: