منتدى قرية اخطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يسر منتدى قرية اخطاب ان يرحب بالسادة الزوار .. ويتمنى لهم قضاء وقتا سعيدا ومفيدا ... يتم التسجيل أولا فى المنتدى ثم الذهاب إلى لفتح صندوق الوارد (inbox) ستجد رسالة بعنوان منتدى قرية اخطاب يتم الضغط عليها ثم الضغط على رابط التفعيل وإا لم تجد الرسالة فى صندوق الوارد ستجدها فى (spam) وبعدها سيتم دخولك على المنتدى ... ويسعدنا ونتشؤف بان تكون عضوا معنا
اترككم فى عناية الله وتوفيقة ... مع تحياتى مدير المنتدى ... مصطفى شلبى
منتدى قرية اخطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يسر منتدى قرية اخطاب ان يرحب بالسادة الزوار .. ويتمنى لهم قضاء وقتا سعيدا ومفيدا ... يتم التسجيل أولا فى المنتدى ثم الذهاب إلى لفتح صندوق الوارد (inbox) ستجد رسالة بعنوان منتدى قرية اخطاب يتم الضغط عليها ثم الضغط على رابط التفعيل وإا لم تجد الرسالة فى صندوق الوارد ستجدها فى (spam) وبعدها سيتم دخولك على المنتدى ... ويسعدنا ونتشؤف بان تكون عضوا معنا
اترككم فى عناية الله وتوفيقة ... مع تحياتى مدير المنتدى ... مصطفى شلبى
منتدى قرية اخطاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى قرية اخطاب

ايد واحدة نبنى بلدنا
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول
أخــطـابُ يـا قـلعةً للنـورِ زاهـرةً فيك العفافُ ومنك الطهرُ والأدبُ لو لم أكن فيك يا أخطابُ مولودًا لبحثْتُ عنكِ كما أوصت بكِ الكتبُ الناسُ حيرى بعيدًا عنكِ يا أملى حــتى إذا مـا أتـوْكِ فـاتَهُـم تـَعَــبُ أهلُ الفضائلِ فى أنحائِك اجتهدوا كى يُسعدوا كــلّ مُـحتاجٍ لهُ طـلـبُ كلّ المكارمِ والأخلاقِ قد جـمعتْ مجدَ الفراعين حتى جاءكِ الـعـربُ دوماً أتيهُ عـلى مـرّ الـزمـانِ بكِ أفضالكِ الغرّ قدْ هامتْ بها السحبُ الشمسُ والنجمُ والأقمارُ ظلّ لها من أهـلـكِ الصـالحينَ دائماً نسـبُ أخـطـابُ أنتِ التى فى قلبنا أبـداً أنتِ التى فى شغافِ القلبِ تحتجبُ حبّ البـلادِ التى عاشتْ بداخـلِنا فرضٌ على من إلى الأخلاقِ ينتسبُ
المواضيع الأخيرة
» ارقى مناطق التجمع الخامس بمنطقة اللوتس الجنوبية
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالثلاثاء مايو 06, 2014 11:10 pm من طرف رحاب صلاح

» شراء شات صوتي و يدعم ايضا الكاميرات-شراء دردشة صوتيه-شراء دردشة كامات
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:19 am من طرف رحاب صلاح

» هل موقعك الالكتروني يتوقف دائما؟ هنا الحل www.qpali.com
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:16 am من طرف رحاب صلاح

» معلومات تهمك عن التجمع الخامس
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:14 am من طرف رحاب صلاح

» استضافة لينوكس أو استضافة الويندوز : تعلم كيفية اختيار الاستضافة المناسبة لك
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:49 am من طرف رحاب صلاح

» منتج الدردشة الأفضل والأقوى في العالم تفضلوا بالدخول وقراءة هذا الموضوع
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:47 am من طرف رحاب صلاح

» اسعار التمليك والمفروش في المهندسين
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:44 am من طرف رحاب صلاح

» احمي موقعك وزوارك من الهاكر وسمعة موقعك على محركات البحث www.qpali.com
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:20 pm من طرف رحاب صلاح

» طريقة شراء 123 شات فلاش من أي مكان في العالم
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:19 pm من طرف رحاب صلاح

» افخم مناطق المهندسين
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:17 pm من طرف رحاب صلاح

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 53 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 53 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 285 بتاريخ الخميس أكتوبر 10, 2024 3:31 pm
عداد الزوار
تصويت

 

 كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرحمن حسن

عبد الرحمن حسن


عدد المساهمات : 56
نقاط : 168
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/03/2011

كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع   كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع Emptyالخميس يوليو 28, 2011 5:31 am


الباب الحادي والأربعون
في ذكر حالة جرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الملائكةوهو ابن عشرين سنة وأخبر بها عمه أبا طالب


سأل عبدالله بن الزبير عُبَيد بن عُمَير عن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحدثك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا وهو يومئذ ابن عشرين سنة إلى عمه أبي طالب فقال: «أَعَمِّ، إِنِّي مُنْذُ لَيَالٍ يَأَتِيْنِي آتٍ مَعَه صَاحِبَانِ لَه، فَيَنْظُرونَ إليَّ ويَقُولونَ: هُوَ هُوَ ولَمَ يأنِ لَه. فإذا كَانَ رأيُكَ كرَجُلٍ منْهُم سَاكِتٍ فَقَدْ هَالَنِي ذَلكَ» .
فقال: يا بن أخي ليس بشيء حلمت.
ثم رجع إليه بعد ذلك فقال: «يَا عَمِّ سَطَا بي الرَّجُلُ الذي ذَكَرْتُ لَكَ فَأَدْخَلَ يَدَه فِي جَوْفِي حَتَّى إنِّي لأَجِدُ بَرْدَها» .
فرجع به عمه إلى رجل من أهل الكتاب يتطبَّب بمكة، فحدثه حديثه، فقال: عالجَه.
فصوَّب به وصعَّد وكشف عن قدميه، ونظر بين كتفيه، وقال: يا بن عبد مناف ابنك هذا طيب طبيب، للخير فيه علامات، إن ظفرت به يهود قتلته، وليس الرائي من الشيطان، ولكنه من النواميس الذين يتجسسون القلوب للنبوة.
فرجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أحْسَسْتُ حِسًّا مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى رَأيْتُ فِي مَنَامِي رَجُلاً وَضَعَ يَدَهُ عَلى مَنْكِبِي، ثُمَ أدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَ قَال: قَلبٌ طَيِّبٌ فِي جَسَدٍ طَيِّبٍ، ثُمَ رَدَّهُ فَاسْتَيْقَظْتُ» .
ثم قال: «رَأَيْتُ وأَنا نَائِمٌ سَقْفَ البَيْتَ الذي أنَا فِيه نُزِعَتْ خَشَبَهُ وأُدْخِلَ سُلَّمٌ فِضَةً، ونَزَلَ إليَّ مِنْه رَجُلاَن، فَجَلَس أحَدُهُمُا جَانِبًا والآخَرُ إلَى جَنْبِي، فَنَزَعَ ضِلْعَ جَنْبِي ثُمَ اسْتَخْرَجَ قَلْبِي، فَقَالَ: نِعْمَ القَلْبُ قَلْبُه، قَلْبُ رَجُلٍ صَالِحٍ وَنَبِيَ مُبَلَّغٍ، ثُمَ رَدَّا قَلْبِي مَكَانَه وضِلْعِي ثُمَ صَعِدَا» .


«فَاسْتَيْقَظْتُ والسَّقْفُ عَلَى حَالِه، فَشَكَوْتُ إِلَى خَدِيْجَةَ فَقَالَتْ: لاَ يَصْنَعُ اللَّهُ بِكَ إِلاَّ خَيْراً» .

الباب الثاني والأربعون
في ذكر رَعْيه الغنم
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم» .
فقال أصحابه: وأنت؟
قال: «نَعَمْ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيْطَ لاِءَهْلِ مَكَّةَ» .
انفرد بإخراجه البخاري.
قال سُويد بن سعيد: يعني كل شاة بقيراط.
وقال إبراهيم الحرْبي: قراريط: موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة.
قال ابن عقيل: لما كان الراعي يحتاج إلى سِعَة خلق وانشراح صدر للمداراة، وكان الأنبياء مُعَدِّين لإِصلاح الأمم حَسُن هذا في حقهم.

الباب الثالث والأربعون
في ذكر اشتغاله بالتجارة قبل النبوة
أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن الراهب، أنبأنا القطيعي، حدثنا عبدالله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن السائب بن أبي السائب: أنه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإِسلام في التجارة.
فلما كان يومُ الفتح جاءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَرْحَبَاً بِأَخِي وَشَرِيْكِي، كَانَ لاَ يُدَارِيءُ وَلاَ يُمَارِي» .
يدارىء: مهموز، بمعنى يشاغب ويخاصم صاحبَه.

الباب الرابع والأربعون
في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مرة أخرى في تجارة خديجة
عن نفيسة بنت مُنَية أخت يَعْلى بن منية قالت: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خُوَيلد تبعث رجالاً من قومك في عيراتها، فلو جئتَها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك.


وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له، فأرسلت إليه في ذلك وقالت: أنا أعطيك ضِعْف ما أعطي رجلاً من قومك.
فقال أبو طالب: هذا رزقٌ ساقه الله لك.
فخرج مع غلامها ميسرة وجعل عمومته يوصون به أهلَ العير.
حتى قدموا بُصْرى من أرض الشام، فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطورا الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة لا تفارقه؟
قال: نعم.
قال: هذا نبي وهو آخر الأنبياء.
ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاحٍ، فقال له: احلف باللات والعزى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ، وَإنِّي لأَمُرُّ بِهِمَا فَلا ألتَفِتُ إِليْهِمَا» .
فقال الرجل: القَولُ قولك. ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتاً في كتابهم.
وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة.
وباعوا تجارتهم وربحوا ضعفَ ما كانوا يربحون.
ودخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في عُلية لها، فرأت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو على بعيره وملكَان يظلان عليه، فأرته نساءَها فعجبن لذلك.
ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبَّرها بما ربحوا في وجوههم. فسرَّت بذلك.
فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام. وأخبرها بما قال الراهب نسطورا وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع.

الباب الخامس والأربعون
في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة
عن نفيسة بنت مُنَيّة قالت:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام دخل مكة وخديجة في عُلِّية لها فرأت مَلكين يظلانه، وكانت جَلدة حازمة، وهي أوسط قريش نسباً وأكثرهم مالاً، وكلُّ قومها حريص على نكاحها لو قدروا على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال.


فأرسلتني دسيساً إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من الشام، فقلت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟
قال: «مَا بِيَدِي مَا أَتَزَوَّجُ» .
قلت: فإن كنت ذلك، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة، أفلا تجيب؟
قال: «فَمَنْ هِيَ؟» .
قلت: خديجة.
قال: «وَكَيْفَ لِي بِذَلكَ؟» .
قلت: عليَّ.
قال: «فَأَنا أَفْعلَ» .
فذهبت فأخبرتها وأرسلت إليه أن إيت ساعة كذا وكذا. وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها.
فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذٍ بنت أربعين سنة.
وقد روي أن أباها زوَّجها، وليس بصحيح لأن أباها مات قبل الفجار.
وذكر أبو الحسين بن فارس أن أبا طالب خطب يومئذ فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد، وعنصر مضر، وجعلنا سدنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إنَّ ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل إلا رجحه، وإن كان في المال قلاًّ فإن المال ظلٌّ زائل وحال حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما آجلُه وعاجله من مالي.
وهو والله بعدَ هذا له نبأ عظيم وخطر جليل.
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت خديجة قد ذُكرت لورقة بن نوفل، فلم يقضَ بينهما نكاح، فتزوجها أبو هالة واسمه: هند، وقيل: مالك بن النباش، فولدت له هنداً وهالة وهما ذكران، ثم خلف عليها عتيق ابن عائذ المخزومي فولدت له جارية اسمها هند.
وبعضهم يقدم عتيقاً على أبي هالة.
ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل أولاده منها إلا إبراهيم.

الباب السادس والأربعون
في ذكر شهود رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة ووضعه الحجر بيده


أول وضع البيت أن الله تعالى أنزل البيت المعمور فجعله مكان الكعبة وكان ياقوتة حمراء، ثم رفع وبنى آدم مكانه البيت، ثم بناه أولاده بالطين والحجارة، ثم غرق في زمن نوح وبقي مكانه أكمة لا يعلوها السيول، إلى أن بناه الخليل، ثم بنته العمالقة، ثم بنته جرهم، ثم بنته قريش.
عن طلحة قال: وجد في البيت حجر منقور في الهدمة الأولى، فدعي رجل فقرأه فإذا فيه: عبدي المتحبب المتمكن المثبت المختار، مولده بمكة ومهاجره طَيبة، لا يذهب حتى يقيم الملة العوجاء، ويشهد أن لا إله إلا الله، أمته الحمادون يحمدون الله تعالى بكل أكمة، يأتزرون على أوساطهم ويطهرون أطرافهم.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر خمساً وثلاثين سنة هدمت قريش الكعبة وبنتها، لأنها كانت قد تضعضعت بالسيل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة.
فلما بلغ البنيان موضع الركن اختصموا، فكل قبيلة تريد أن ترفعه، حتى تواعدوا للقتال، وقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وأدخلوا أيديهم في الدم وتعاقدوا على الموت. فسموا لعقة الدم.
فمكثوا على ذلك ليالي ثم تشاوروا. فقال أبو أمية بن المغيرة، وهو رأس قريش: اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب هذا المسجد.
فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا به.
فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال: «هَلُمُّوا ثَوْباً» . فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: «لِتَأْخُذَ كُلُّ قَبِيْلَةٍ بِنَاحِيَةٍ منَ الثَّوْبِ ثُمَ ارْفَعُوه جَمِيعاً» . حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه.
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُنزَل عليه: الأمين.

أبواب ذكر نبوته صلى الله عليه وسلم

الباب الأول
في ذكر الهواتف بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم


عن النَّضْر بن سفيان الهذَلي عن أبيه قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومَعَان، وقد عرَّسنا من الليل، إذا بفارس يقول (وهو بين السماء والأرض): أيها النيَّام هُبوا فليس هذا بحين رقاد، قد خرج أحمد، وطردت الجن كل مطْرد.
ففزعنا ونحن رفقةٌ (حزَاورة) كلهم قد سمع هذا، فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلافاً بمكة بين قريش ونبي خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد.
عن محمد بن كعب القُرَظي قال: بينما عمر بن الخطاب قاعد في المسجد إذ مرَّ به رجل في مؤخر المسجد، فقال رجل: يا أمير المؤمنين أتعرف المارَّ؟
قال: من هو؟
(قال هذا) سواد بن قارب، وهو رجل من أهل اليمن له شرَف وموْضع، وهو الذي أتاه رئيه يخبره بظهور النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر: عليَّ به.
فدعا به فقال: أنت سواد بن قارب؟
قال: نعم.
(قال: فأنت الذي أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم)
قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟
(فغضب غضباً شديداً وقال: يا أمير المؤمنين ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت.
فقال عمر: سبحان الله، والله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك) أخبرني بإتيان رئيك بظهور النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: نعم يا أمير المؤمنين.
بينا أنا نائم ذات ليلة إذ أتاني آت فضربني برجله.
وقال: قمْ يا سوادَ بنَ قارب فافهم واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:
عجبتُ للجن وتجْساسها
وشدَها العيسَ بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدَى
ما خيِّر الجنِّ كأرجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشمٍ
واسمُ بعينيك إلى رأسها قال: فلم أرفع لقوله رأساً، وقلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعساً.


فلما كان في الليلة الثانية أتاني فضربني برجله، وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم فافهم، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث نبي من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ الجني يقول:
عجبتُ للجن وتَطْلابها
وشدِّها العيسَ بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدَى
ما صادقُ الجن ككذَّابها
فارحل إلى الصفوة من هاشمٍ
ليس قُدَاماها كأذنابها قال: فلم أرفع لقوله رأساً، وقلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعساً.

فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله، وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب، قم فافهم واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ الجني يقول:
عجبتُ للجن وأخبارها
وشدَها العيسَ بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدَى
ما مؤمن الجنِّ ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم
بين روابيها وأحجارها
قال: فوقع في قلبي حب الإِسلام ورغبت فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي وانطلقت متوجهاً إلى مكة.
فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة.
فقدمت المدينة فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لي في المسجد، فانتهيت إلى المسجد فعقلت ناقتي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله، فقلت: تسمع مقالتي يا رسول الله.
فقال لأبي بكر: أدنه أدنه. فلم يزل بي حتى صرت بين يديه.
فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله.
فقال: هات. فأخبرني بإتيانك رئيك. فقلت:
أتاني نجيِّ بعد هَدْءٍ ورَقْدة
ولم أكُ فيما قد بلوتُ بكاذِبِ
ثلاثَ ليالٍ قولهُ كل ليلة
أتاك رسولٌ من لؤيِّ بن غالبِ
فشمَّرت عن ذيلي الإِزارَ ووسَّطت
بيَ الذِّعْلبُ الوَجْناء بَيْن السَّبَاسبِ
فأشهد أن الله لا رب غَيْره
وأنك مأمونٌ على كل غائبِ
وأنك أدْنى المرسلين وسيلةً
إلى الله يا بن الأكرمين الأطايبِ
فمرْنا بما يأتيك يا خيَرَ مُرْسل
وإن كان فيما جاء شيبُ الذوائب


وكنْ لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة
سواك بمغن عن سواد بن قارِب
قال: ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي وأصحابه فرحاً شديداً حتى رئي الفرح في وجوههم.
قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب فالتزمه، وقال: كنت أحب أن أسمع هذا منك (فهل يأتيك رئِيُّك اليوم؟
فقال: مذ قرأت القرآن فلا، ونَعْم العوضُ كتاب الله من الجن).
عن جابر قال: إن أول خبر قدم المدينة أن امرأة كان لها تابع من الجن في صورة طائر، فسقط على الحائط، فقالت: ما لك لم تأتِ تحدثنا ونحدثك؟ قال: إنه قد ظهر مَنْ منع القرار وحرم الزنى علينا.
عن علي بن حسين قال: كانت امرأة من بني النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان، ولها تابع من الجن.
قال: فكان يأتيها، فأتاها حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وانقض على الحائط، فقالت: ما لك لم تأت كما كنت تأتي؟

قال: قد جاء الذي يحرم الزنى والخمر.
عن أبي هريرة قال: قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب: ألا أخبرك ببدء إسلامي؟
بينا أنا في طلب نَعَم لي إذ جَنَّني الليل بأبْرق العزاف فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهائه.
وإذا هاتف يهتف بي:
عُذْ يا فتى بالله ذي الجَلال
والمجدِ والنَّعماء والإِفضال
واقرأ بآياتٍ من الأنفال
ووحِّد الله ولا تبال
فقلت:
يا أيها الهاتف ما تقول
أرشدٌ عندك أم تضليل
بيِّن لنا هُديتَ ما السبيلُ†
فقال:
هذا رسولُ الله ذو الخيراتِ
يدعو إلى الجنات والنجاةِ
يأمرُ بالصوم وبالصلاة
وينزع الناس عن الهِنَات
عن عبدالله العُمَاني قال: كان فينا رجل يقال له مازن بن الغَضُوبة يَسْدن صنماً (بقرية يقال لها سمايا من عمان) وكانت تعظمه قبائل.
قال مازن: فعترنا ذات يوم عند صنم عتيرة (وهي الذبيحة) فسمعت صوتاً من الصنم يقول:
يا مازن اسمع تُسَرّ، ظهر خير وبطن شر، بُعث نبي من مضر، (بدين الله الأكبر)، فدع نحيتاً من حجر، تسلم من حَرّ سقر.


قال: ففزعت لذلك. ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى، فسمعت صوتاً من الصنم يقول: أقبل إليَّ أقبل، تسمع ما لا تجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل، عن حر نار تشْعل، وقودها بالجندل.
قال مازن: فقلت إن هذا لعجب وإنه لخير يراد بي.
وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا: ما الخبر وراءك؟
قال: ظهر رجل يقال له محمد، يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله.
فقلت: هذا نبأ ما سمعت.
فثرت إلى الصنم فكسرته وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرح لي الإِسلام فأسلمت.
عن رجل من خثعم قال: كانت العرب تتحاكم إلى الأصنام، فبينا نحن ليلة عند وثن وقد تقاضينا إليه في شيء قد وقع بيننا (أن يفرق بيننا) إذ هتف هاتف وهو يقول:
يا أيها الناس ذوو الأجسام
ومسند الحكم إلى الأصنام
ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ
هذا نبيٌّ سيدُ الأنام
أعْدَل في الحُكْم من الحكامِ
يَصْدع بالنور وبالإِسلام
ويَنْزِع الناسَ عن الآثام
مستعلنٌ في البلد الحرام
ففزعنا وتفرقنا من عنده وصار ذلك الشعر حديثاً، حتى بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة ثم قدم المدينة فجئت فأسلمت.

عن تميم الداري قال: كنت بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى بعض حاجتي، فأدركني الليل، فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة.
قال: فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي لا أراه: عُذْ بالله، فإن الجن لا تجير أحداً على الله تعالى، قد خرج الرسول الأمين رسول الله، وصلينا خلفه بالحَجُون وأسلمنا واتبعناه، وذهب كيد الجن ورميت بالشهب، فانطلقْ إلى محمد رسول رب العالمين فأسلم.
قال تميم: فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهباً وأخبرته الخبر، فقال الراهب قد صدقوك، يخرج من الحرم، وهو خير الأنبياء فلا تُسْبق إليه.
قال تميم: فتكلفت الشخوصَ حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم.


عن خويلد الضمري قال: كنا عند صنم جلوساً، إذ سمعنا من جوفه صائحاً يصيح: ذهب استراق الوحي، ورمي بالشهب لنبي مكة، اسمه أحمد، مهاجَره إلى يثرب، يأمر بالصلاة والصيام والبر والصلات للأرحام.
فقمنا من عند الصنم فسألنا فقالوا: خرج نبي مكة اسمه أحمد.
عن جبير بن مطعم قال: كنا جلوساً عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، نحرنا جزوراً فإذا صائح يصيح من جوفه: اسمعوا العجب ذهب استراق الوحي ورمي بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد مُهَاجَره إلى يثرب. فأمسكنا وعجبنا. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن العباس بن مرْداس قال: لما حضرت أبي الوفاة أوصاني بصنم له يقال له ضَمَار. فجعلته في بيت. وكنت آتيه كل يوم مرة.
فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم سمعت صوتاً من جوف الليل راعني، فوثبت إلى ضمار مستغيثاً، فإذا بالصوت من جوفه وهو يقول:
قُلْ للقبيلة من سُليم كلها
هلك الأنيسُ وعاش أهل المسجدِ
أودى ضمارُ وكان يُعْبَدُ مرَّة
قبْل الكتاب إلى النبي محمد
إن الذي ورث النبوة والهُدَى
بَعْد ابن مريم من قريشٍ مُهْتدِي
فكتمتُه الناس. فلما رجع الناس من الأحزاب سمعت صوتاً في منامي يقول: النور الذي وقع ليلة الثلاثاء مع صاحب الناقة العضباء.
فرحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
عن راشد بن عبد ربه قال: كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلات تدين له هذيل وبنو ظُفَر من سُلَيم، فأرسلت بنو ظفر راشد بن عبد ربه بهدية بني سُليم إلى سواع.
قال: فأتيته فألقيته مع الفَجْر إلى صنم قبل سُوَاع، فإذا صارخ يصرخ من جوفه: العجَبُ كلَّ العجب، من خروج نبي عبد المطلب، يحرِّم الزنى والربا والذبح للأصنام، وحرست السماء ورمينا بالشهب.

ثم هتف صنم آخر من جوفه: ترك الضمار، وكان يُعْبد، خرج النبي محمد، نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام والبر والصلات للأرحام.


ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف:
إن الذي ورث النبوة والهُدَى
بَعْد ابن مريمَ منْ قريشٍ مهتدي
نبي يخبر بما سبق وبما يكون في غد.†
قال راشد: فألفيت عند سُوَاع ثعلبين مع الفجر يلحسان ما حوله ويأكلان ما يهْدَى، ثم يعرجان عليه ببولهما. فعند ذلك يقول راشد بن عبد ربه:
أربٌّ يبولُ الثَّعلبان برأسه
لقد ذَلَّ من بالت عليه الثعالبُ
وذلك عند مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الباب الثاني
في ذكر إعلام الوحش بنبوته
عن أبي عمرو الهُذَلي قال: حضرت مع رجال من قومي صنماً يقال له: سوَاع، وقد سُقْنا إليه الذبائح.
فكنت أولَ من قرَّب إليه بقرة سمينة، فذبحتها على الصنم، فسمعنا صوتاً من جوفها (يقول): العجبُ كُلَّ العجب خروجُ نبي بين الأخاشب، يحرّم الزنى ويحرم الذبح للأصنام. وحرست السماء ورُمينا بالشُّهب.
فتفرقنا فقدمنا مكة فسألنا فلم نجد أحداً يخبرنا بخروج محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لقينا أبا بكر الصديق. فقلت: يا أبا بكر أخرج أحد بمكة يدعو إلى الله تعالى يقال له أحمد؟
قال: وما ذاك؟ فأخبرته الخبر.
فقال: نعم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم دعانا إلى الإِسلام، فقلنا: حتى ننظر ما يصنع قومنا.
ويا ليت أنا أسلمنا يومئذٍ. فأسلمنا بعده.
عن مجاهد قال: حدثني شيخ أدرك الجاهلية ونحن في غزوة رودس يقال له ابن عنبس قال: كنت أسوق بقرة لآل لنا فسمعت من جوفها: يا آل ذريح: قول فصيح، رجل يصيح، يقول لا إله إلا الله.
قال: فقدِمْنا مكة. فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج بمكة.
عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، فصعد الذئب على تل فأقعى واستثْغر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله تعالى انتزعته مني؟
فقال الرجل: بالله إن رأيتُ كاليوم، ذئبٌ يتكلم
قال الذئب: أعجبُ من هذا رجل في النخلات بين الحرَّتين يخبركم بما مضى وما هو كائن من بعدكم.


وكان الرجل يهودياً فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره وصدقه النبي، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا أَمَارَةٌ مِن أَمَارَاتِ السَّاعَةِ، أوْشَكَ الرَّجُلُ أن يَخْرُجَ فَلاَ يَرْجِعَ حَتَّى تُحَدِّثُه نَعْلاَه وَسَوْطُه بِمَا أحْدَثَ أهْلُه بَعْدَه» .

الباب الثالث
في ذكر أمارات النبوة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثه
عن ابن عباس قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة؛ سبعاً يرى الضوء والنور ويسمع الصوت، وثمان سنين يوحى إليه.
عن عائشة قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه حتى فجأه الحق وجاءه الملك.
عن أبي ميسرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع من يناديه: يا محمد. فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فأتى خديجة فذكر لها ذلك فقال: «يَا خَديْجَةَ قَدْ خَشِيْتُ أنْ يَكُونَ خَالَطَ عَقْلِي شَيْءٌ، إنِّي إذَا بَرَزْتُ أسْمَعُ شَيْئاً يُنَادِي فَلاَ أَرَى شَيْئاً، فأَنْطَلِقُ هَارِباً» .
فقالت: ما كان الله ليفعل ذلك بك.
فأسرَّت ذلك إلى أبي بكر، وكان نديماً له في الجاهلية، فأخذ أبو بكر بيده فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: وما ذاك؟ فحدثه بما حدثته به خديجة.
فأتى ورقة فذكر ذلك له فقال له ورقة: هل ترى شيئاً؟
قال: «لاَ، وَلَكِنِّي إذَا بَرَزْتُ سَمِعْتُ النِّدَاءَ وَلاَ أَرَى شَيْئاً فَأَنْطَلِقُ هَارِباً فَإِذَا هُوَ عِنْدِي يُنَادِي» .
قال: فلا تفعل، إذا سمعت النداء، فأثبت له حتى تسمع ما يقول لك.
فلما برز سمع: يا محمد.
قال: «لبيك».
قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم قال: قل: الحمد لله رب العالمين حتى فرغ من فاتحة الكتاب.


ثم أتى ورقة فذكر ذلك له فقال: أبشر؛ ثم أبشر، ثم أبشر، أشهد أنك أنت أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول الله، يوشك يوشك أن تؤمر بالقتال، وإن أمرت بالقتال وأنا حي فلأقاتلن معك.
فمات ورقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت القَس في الجنة عليه ثياب خضر» .

الباب الرابع
في ذكر تسليم الأحجار والأشجار عليه
عن جابر بن شَمُرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرَاً بِمَكَّة كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُه الآن» .
عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر، فلم يمر بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله.
عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لمَّا كَانَتْ لَيَالِي بُعِثْتُ ما مَرَرْتُ بِشَجَرٍ وَلاَ حَجَرٍ إلا قال: السَّلامُ عَلَيكَ يَا رَسُول الله» .
عن برّة قالت: لما ابتدأ الله تعالى محمداً بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتاً ويفضي إلى الشعاب والأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحداً.

الباب الخامس
في ذكر بدء الوحي
عن عائشة قالت: أول ما بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حُبب إليه الخلاء فكان يأتي غار حراء يتحنَّث فيه وهو التعبد؛ الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها.
حتى فجأه الحق وهو غائر.
فجاءه الملك فيه فقال: إقرأ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بقارىء» .


«فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَ أرْسَلنِي فَقَال: إقْرَأ. فَقُلتُ: مَا أنَا بقَارِىءٍ» .
«فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَ أرْسَلَنِي فَقَال: إقْرَأ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِىءٍ» .
«فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَ أَرْسَلَنِي فَقَال: {إقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى بلغ {ما لم يعلم} » .
فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: «زَمِّلونِي زَمِّلونِي» . فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: «يَا خَدِيْجَةَ مَا لِي؟» .
وأخبرها الخبر، قال: «قَدْ خَشِيْتَ عَلَى نَفْسِي» .
فقالت له: كلاَّ أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتَصْدق الحديث، وَتَحْمل الكَلَّ، وتَقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقةَ بن نوفل، وهو ابن عم خديجة وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك.
فقال ورقة: يا أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيه جَذعا، ليتني أكون حيًّا حين يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟» .
قال: نعم، ولم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودِي وإن يدركني يومك أنصرْك نصراً مؤزَّراً.
ثم لم يَنْشَب ورقة أن توفي.
وفتر الوحي حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غَدَا منه مراراً كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال.
فكلما أَوْفَى بِذرْوة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدَّى له جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقاً. فيسكن بذلك جأشه وتقرُّ نفسه فيرجع.


فإذا طال عليه فترة الوحي غَدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك.
أخرجاه.
عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: «فَبَيْنَا أنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتاً منَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رَأسِي فَإذا المَلَكُ الذي جَاءَ في حِرَاءَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍ بَينَ السَّمَاءِ والأرْضِ فَجَثَيْتُ مِنْه رُعْباً فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلوُنِي. فَدَثِّرونِي فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى { يا أيها المدثر}» .
أخرجاه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال ورقة: لما ذكرت له خديجة أنه ذكر لها جبريل: سبوح سبوح، وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي تعبد فيها الأوثان، جبريل أمين الله بينه وبين رسله، اذهبي به إلى المكان الذي رأى فيه ما رأى، فإذا أتاه فتحسَّري، فإن يكن من عند الله لا يراه. ففعلت.
قالت: فلما تحسَّرت تغيَّب جبريل فلم يره، فرجعت فأخبرت ورقة قال: إنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي لا يعلِّمه بنو إسرائيل أبناءهم إلا بالثمن.
ثم قام ورقة ينتظر الدعوة.
عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن عم تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟
فقال: «نَعَمْ» .
فقالت: إذا جاءك فأخبرني.
قالت: خديجة: فجاءه جبريل ذات يوم وأنا عنده.
فقال: «يَا خَدِيْجَةَ، هَذَا صَاحِبِي الذِي يَأْتِيْنِي قَدْ جَاءَ» .
فقلت: قم فاجلس على فخذي. فجلس عليها. فقلت: هل تراه؟
قال: «نَعَمْ» .
فقلت: تحوَّل فاجلس على فخذي اليسرى. فجلس عليها، فقلت: هل تراه؟
قال: «نَعَمْ» .
قالت خديجة: فطرحت خماري. فقلت: هل تراه؟
فقال: «لاَ» .
فقلت: هذا والله ملك كريم ما هو شيطان لا والله.


عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذر أن يعتكف شهراً بحراء، فوافق ذلك شهر رمضان. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمع: السلام عليك. قال: «فَظَنَنْتُهَا فَجْأَةُ الجِنِّ فَجِئْتُ مُسْرِعاً حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ فَسَجَّتْنِي ثَوْباً وَقَالت: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَخْبَرْتُهَا: فَقَالت: أَبْشِرْ، فإن السَّلاَمَ خَيْرٌ» .
قال: «ثُمَّ خَرَجْتُ مَرَّةً أُخْرَى فَإِذَا بِجِبْرِيْلَ عَلَى الشَّمْسِ جَنَاحٌ لَه بِالمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ له بالمَغْرِبِ، قال: فهِلْتُ مِنه فَجِئْتُ مُسْرِعاً، فإذا هو بَيْنِي وبَينَ البَابِ، فَكَلَّمَني حَتَّى أَنِسْتُ بِه، ثُمَ وعَدَنِي مَوْعِداً فَجِئْتُ لَه، فَأَبْطَأَ عَلَيَّ فَرَأَيْتُ أنْ أَرْجِع، فَإذا أنَا به وميْكَائِيْلَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ، فَهَبَطَ جِبْرِيْلُ فَسَلَقَنِي لَحَلاوَةِ القَفَا ثُمَ شَقَّ عَلَى قَلْبِي فَاسْتَخْرَجَهُ، ثُمَ اسْتَخْرَجَ مِنْه مَا يَشَاءُ أن يَسْتَخْرِجَ، ثُمَ غَسَلَه فِي طِسْتٍ من ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَ أَعَادَه مَكَانَه ثُمَ لأَمُه، ثُمَ خَتَمَ فِي ظَهْرِي. فَقَال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ. فَجَعَلْتُ لا يَلْقَانِي حَجَرٌ وَلاَ شَجَرٌ إلا قَال: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله. حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ. فَقَالت: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله» .

عن عبيد قال: كيف (كان) بدء (ما) ابتدأ الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من النبوة حتى جاءه جبريل؟
فقال عبيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء كل سنة شهراً، وإن ذلك مما تحنَّث به قريش في الجاهلية.


وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور الشهر من كل سنة يُطْعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من ذلك الشهر كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته، يطوف بها سبعاً أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله (به) فيه (ما أراد) من كرامته برسالته، والسَّنة التي بعثه الله فيها نبياً، وذلك الشهر شهر رمضان، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته جاءه جبريل من الله تعالى.
قال ابن إسحاق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَجَاءَنِي وَأَنا نَائِمٌ بِنَمَطٍ مِن دِيْبَاجٍ فيه كِتَابٌ، فقال: اقْرَأْ، قُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَغَطَّنِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّه المَوْتُ، قَالَ ذَلك ثَلاَثاً، ثُمَ أَرْسَلَنِي فَقَال: اِقْرَأ. قُلْتُ: مَاذَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلكَ إلاَّ افْتِدَاءً مِنه أن يَعُودَ، فَقَال: {س96ش1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ }(العلق: 1)
».
عن ابن البراء قال: بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وله يومئذ أربعون سنة ويوم، فأتاه جبريل ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في حراء، وهو أول موضع نزل فيه القرآن نزل: { اقرأ باسم ربك} إلى قوله: { ما لم يَعْلم} . فقط ثم فحص بعقبه الأرض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلاة ركعتين.

الباب السادس
في ذكر تعليم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة
عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه.


قلت: لم يذكر كيفية الصلاة في هذا الحديث، وقد ذكرنا عن ابن البراء أنه قال: «ركعتين».
وقال مقاتل بن سليمان: فرض الله على المسلمين في أول الإِسلام صلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ، ثم فرض الخمس في ليلة المعراج.
وقد جاء في حديث: أنه صلى عند زوال الشمس في أول النبوة.
وقال علماء التفسير: نزلت سورة «المزمل» بمكة، فكان قيام الليل فرضاً عليه. فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين، فشق ذلك عليه وعليهم، فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى: {س73ش20إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأٌّرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَءَاتُواْ الزكاةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأًّنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(المزمل: 20)

وقال عطاء بن يسار، ومقاتل بن سليمان: نزل قوله: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} بالمدينة. والأول أصح.
وقال قوم: نُسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى: {س17ش79وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا }(الإسراء: 79)
ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس.
وقيل: نسخ عن الأمة وبقي فَرْضه عليه.
وقيل: إنما كان مفروضاً عليه دونهم.
قال ابن عباس: كان بَيْن نزول أول المزمل وآخرها سنةٌ.



الباب السابع
في ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية النبوة بخديجة وعلي عليهما السلام
عن ابن عفيف الكندي عن أبيه، عن جده قال: كنت امرءاً تاجراً، فقدمت للحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة.
قال: إني فوالله لعنده بمنى إذا رجل خرج من خباء قريب منه ينظر إلى الشمس، فلما رآها قام يصلي. ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي. ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي.
قال: فقلت للعباس: يا عباس، ما هذا؟
قال: محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ابن أخي.
قلت: من هذه المرأة؟
قال: امرأته خديجة بنت خويلد.
فقلت: مَنْ هذا الفتى؟
قال: علي بن أبي طالب ابن عمه.
قلت: فما هذا الذي يصنع؟
قال: يصلي، وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه تفتح عليه كنوز كسرى وقيصر
وكان عفيف، وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول ــــ وأسلم بعد ذلك فحسُن إسلامه ــــ: لو أن الله رزقني الإِسلام يومئذ فأكون ثانياً مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه

الباب الثامن
في صفة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم
عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحْيَاناً يَأْتِيْنِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُو أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَال، وأحْيَاناً يَتَمَثَّلُ لِي المَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» .
قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً.


عن يَعْلى بن أمية: أنه كان يقول لعمر بن الخطاب: ليتني أرى نبي الله حين يوحى إليه، فلما كان بالجِعْرانة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به، ومعه ناس من أصحابه منهم عمر، إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخة بطيب، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمَّخ بطيب؟
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سكت فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى: تعال.
فجاءه يعلى فأدخل رأسه، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغطَّ كذلك فمكث كذلك ساعة.
ثم سري عنه، فقال: «أَيْنَ الذِي سَأَلَنِي عَن العُمْرَةِ آنِفاً؟» .
فالتُمس الرجل فأتي به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا الطِّيْبُ الذِي بِكَ فَاغسِلْه ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وأمَّا الجُّبَةَ فَانْزَعْهَا، ثُمَ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» .
هذا والذي قبله في الصحيحين.
عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: إني قاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إذ أوحي إليه.
قال: وغشيته السكينة، فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة.
قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئاً أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم سري عنه قال: «اكتب يا زيد» .
عن زيد بن ثابت قال: كان إذا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم السورة الشديدة أخذه من الشدة والكرب على قَدْر شدة السورة، وإذا أنزلت عليه السورة اللينة أصابه من ذلك على قَدْر لينها.
عن زيد بن ثابت قال: كان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَقُل لذلك وتحدَّر جبينه عرقاً كأنه الجُمان، وإن كان في البرد.
عن عمر بن الخطاب قال: كان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمع عند وجهه كدوي النحل.
عن عبدالله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسْمَعُ صَلاَصِلَ ثُمَ أَسْكُتُ عِنْدَ ذَلك. فَمَا مِن مَرَّةٍ يوحَى إِليَّ (إلا) وَظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تُقْبَضُ» .
عن عبدالله بن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالس إذ مرَّ به عثمان بن مَظْون، فكشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ تَجْلِسُ؟» .
قال: بلى.
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسْتقبله فبَيْنما هو يحدثه، إذ شَخَصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فنظر ساعة إلى السماء فأخذ بعضُ بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عن عثمان إلى جنب وضْع بصره، فأخذ ينفض رأسه كأنه يستفهم ما يقال له، وابن مظعون ينظر.
فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة وأتبعه بصره حتى توارى في السماء.
فأقبل على عثمان بجلسته الأولى، قال: يا محمد، فيما كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة؟
قال: «وَمَا الذِي رَأَيْتَنِي فَعَلْتُ؟» .
قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنفض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك.
قال: «وَفَطِنْتُ لِذَلِك؟» .
قال عثمان: نعم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتَانِي رَسُولُ الله آنفاً وأنْتَ جَالِسٌ» .
قال: رسول الله؟
قال: «نَعَمْ» .
قال: فما قال لك؟
قال: إنَّ الله يأمُر بالعَدْل والإِحسان وإيتاء ذِي القُرْبَى ويَنْهى عن الفَحْشاء والمُنْكر والبَغْي يعِظكم لعلكم تذكَّرون}
(الأنفال: 41)

قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإِيمان في قلبي وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم.


عن أسماء بنت يزيد قالت: إني لآخذةٌ بزمام العَضْباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة.
عن عُبَادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي كرب له وتربَّد وجهه.
عن أبي أَرْوَى الدّوسي قال: رأيت الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه على راحلته، فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها ينقصم، فربما بركت وربما قامت مؤبدة يديها، حتى يسرّي عنه من ثقل الوحي وإنه ليتحدر منه مثل الجمان.
عن عكرمة قال: كان إذا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقد لذلك ساعة كهيئة السكران.

عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صدِع فغلف رأسه بالحناء.
قال ابن عقيل: إنما نسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجنون لما كان يعتاده عند نزول الملك من الإِغماء والشدة.
ثم أغفلوا ما وراء الصورة من المعنى بترك الفرق بين ذلك بين إغماء الجنون، فإن أثر ما كان يجري له بيان الصواب والحق، بخلاف إغماء الجنون.
وهذا الذي تلمَّحته خديجة فقالت: والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتَصْدُق الحديث وتعين على نوائب الحق.
قال ابن عقيل: فإن قال قائل: ما كان يجري عليه من البرحاء حين نزول الوحي هل ينقض وضوءه؟
فالجواب: لا، لأنه كان محفوظاً في منامه، تنام عيناه ولا ينام قلبه، فإذا كان النوم الذي يستطلق فيه الوكاء، لا ينقض وضوءه، فالحالة التي أكرم فيها بالمسارّة والإِلقاء إلى قلبه الهُدى أولى أن تكون طباعه فيها معصومة من الأذى.

الباب التاسع
في ذكر الخلاف فيمن قُرِن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة في نبوته


عن عامر قال: نزلت عليه النبوة صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فقُرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل من القرآن على لسانه.
فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه.
عن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، وكان معه إسرافيل ثلاث سنين، ثم عزل عنه إسرافيل، وقرن به جبريل عليه السلام عشر سنين بمكة وعشر سنين مهَاجره بالمدينة.
قال ابن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر، فقال: ليس يَعْرف أهل العلم ببلدتنا أن إسرافيل قرن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإن علماءهم وأهل السيرة منهم يقولون: لم يُقْرن به إلا جبريل من حين أنزل عليه الوحي إلى أن قبض صلى الله عليه وسلم.

الباب العاشر
في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يريه آية تقوّي ما عنده
عن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحجُون فقال: «اللهُمَّ أَرِنِي آيَةً لاَ أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قُرَيْشٍ»
فقيل له: ادع هذه الشجرة.
فدعاها فأقبلت على عروقها فقطعها، ثم أقبلت تخدُّ الأرض، حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت: ما تشاء ما تريد؟
قال: «ارْجِعِي إِلَى مَكَانَكِ» . فرجعت إلى مكانها فقال: «وَالله مَا أُبَالِي مَن كَذَّبَنِي مِن قُرَيْشٍ» .
عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة، فقال له: ما لك؟
قال: «فَعَلَ بِي هَؤلاءِ وَفَعَلُوا» .
فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية؟
قال: «نَعَمْ» .
قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة. فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه. فقال: مُرْها فلترجع. فأمرها فرجعت إلى مكانها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَسْبِي» .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قرية اخطاب  :: اسلاميات-
انتقل الى: