منتدى قرية اخطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يسر منتدى قرية اخطاب ان يرحب بالسادة الزوار .. ويتمنى لهم قضاء وقتا سعيدا ومفيدا ... يتم التسجيل أولا فى المنتدى ثم الذهاب إلى لفتح صندوق الوارد (inbox) ستجد رسالة بعنوان منتدى قرية اخطاب يتم الضغط عليها ثم الضغط على رابط التفعيل وإا لم تجد الرسالة فى صندوق الوارد ستجدها فى (spam) وبعدها سيتم دخولك على المنتدى ... ويسعدنا ونتشؤف بان تكون عضوا معنا
اترككم فى عناية الله وتوفيقة ... مع تحياتى مدير المنتدى ... مصطفى شلبى
منتدى قرية اخطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يسر منتدى قرية اخطاب ان يرحب بالسادة الزوار .. ويتمنى لهم قضاء وقتا سعيدا ومفيدا ... يتم التسجيل أولا فى المنتدى ثم الذهاب إلى لفتح صندوق الوارد (inbox) ستجد رسالة بعنوان منتدى قرية اخطاب يتم الضغط عليها ثم الضغط على رابط التفعيل وإا لم تجد الرسالة فى صندوق الوارد ستجدها فى (spam) وبعدها سيتم دخولك على المنتدى ... ويسعدنا ونتشؤف بان تكون عضوا معنا
اترككم فى عناية الله وتوفيقة ... مع تحياتى مدير المنتدى ... مصطفى شلبى
منتدى قرية اخطاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى قرية اخطاب

ايد واحدة نبنى بلدنا
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول
أخــطـابُ يـا قـلعةً للنـورِ زاهـرةً فيك العفافُ ومنك الطهرُ والأدبُ لو لم أكن فيك يا أخطابُ مولودًا لبحثْتُ عنكِ كما أوصت بكِ الكتبُ الناسُ حيرى بعيدًا عنكِ يا أملى حــتى إذا مـا أتـوْكِ فـاتَهُـم تـَعَــبُ أهلُ الفضائلِ فى أنحائِك اجتهدوا كى يُسعدوا كــلّ مُـحتاجٍ لهُ طـلـبُ كلّ المكارمِ والأخلاقِ قد جـمعتْ مجدَ الفراعين حتى جاءكِ الـعـربُ دوماً أتيهُ عـلى مـرّ الـزمـانِ بكِ أفضالكِ الغرّ قدْ هامتْ بها السحبُ الشمسُ والنجمُ والأقمارُ ظلّ لها من أهـلـكِ الصـالحينَ دائماً نسـبُ أخـطـابُ أنتِ التى فى قلبنا أبـداً أنتِ التى فى شغافِ القلبِ تحتجبُ حبّ البـلادِ التى عاشتْ بداخـلِنا فرضٌ على من إلى الأخلاقِ ينتسبُ
المواضيع الأخيرة
» ارقى مناطق التجمع الخامس بمنطقة اللوتس الجنوبية
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالثلاثاء مايو 06, 2014 11:10 pm من طرف رحاب صلاح

» شراء شات صوتي و يدعم ايضا الكاميرات-شراء دردشة صوتيه-شراء دردشة كامات
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:19 am من طرف رحاب صلاح

» هل موقعك الالكتروني يتوقف دائما؟ هنا الحل www.qpali.com
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:16 am من طرف رحاب صلاح

» معلومات تهمك عن التجمع الخامس
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 15, 2014 12:14 am من طرف رحاب صلاح

» استضافة لينوكس أو استضافة الويندوز : تعلم كيفية اختيار الاستضافة المناسبة لك
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:49 am من طرف رحاب صلاح

» منتج الدردشة الأفضل والأقوى في العالم تفضلوا بالدخول وقراءة هذا الموضوع
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:47 am من طرف رحاب صلاح

» اسعار التمليك والمفروش في المهندسين
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالجمعة مارس 14, 2014 5:44 am من طرف رحاب صلاح

» احمي موقعك وزوارك من الهاكر وسمعة موقعك على محركات البحث www.qpali.com
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:20 pm من طرف رحاب صلاح

» طريقة شراء 123 شات فلاش من أي مكان في العالم
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:19 pm من طرف رحاب صلاح

» افخم مناطق المهندسين
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 4:17 pm من طرف رحاب صلاح

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 88 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 88 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 285 بتاريخ الخميس أكتوبر 10, 2024 3:31 pm
عداد الزوار
تصويت

 

 كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرحمن حسن

عبد الرحمن حسن


عدد المساهمات : 56
نقاط : 168
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/03/2011

كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث   كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث Emptyالخميس يوليو 28, 2011 5:23 am


الباب الحادي والثلاثون
في ذكر وفاة أمه آمنة
عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب، فلما بلغ ستَّ سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النَّجار بالمدينة تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه، وهم على بعيرين، فنزلت به دار النابغة، فأقامت به عندهم شهراً.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أموراً كانت في مقامه ذلك.

1 لما نظر إلى أطُم بني عدي بن النجار بالمدينة عرفه فقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذه الآطام، وكنت مع غلمان من أخوالي نطير طائراً كان عليه يقع.
ونظر إلى الدار فقال: ها هنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبر أبي عبدالله بن المطلب، وأحسنتُ العوْم في بئر بني عدي بن النجار.
1 وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه. قالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته. فوعيت ذلك.
ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء توفيت أمه آمنة بنت وهب، فقبرها هناك.
فرجعت به أم أيمن إلى مكة وكانت تحضنه.
1 فلما مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عُمرة الحديبية بالأبواء قال: «إن اللَّهَ قَدْ أُذِنَ لمُحَمَّدٍ فِي زيَارَةِ قَبْرِ أُمِّه» . فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلحه وبكى عنده، وبكى المسلمون لبكائه، فقيل له، فقال: «أدْرَكَتْنِي رَحْمَةٌ رَحِمْتُها فَبَكَيْتُ» .
عن أبي مرثد قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى جذم قبر فجلس إليه وجلس الناس حوله، فوقف كهيئة المخاطب، ثم قام وهو يبكي فاستقبله عمر وكان من أجْرأ الناس عليه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ قال: «هذا قَبْرُ أُمِّي، سأَلْتُ رَبِّي الزِّيَارَةَ فأَذِنَ لِي، وسَأَلْتُه الاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَذَكَرْتُهَا فَوَقَفْتُ فَبَكَيْتُ» .
فلم يُرَ يوم كان أكثر باكياً من يومئذ.
قال ابن سعد: هذا غلط، ليس قبرها بمكة إنما قبرها بالأبواء.
عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استَأذَنْتُ رَبِّي عزَّ وجَلَّ في أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فلَمْ يُؤْذَنْ لِي، واستَأذَنْتُه في أَنْ أزُوْرَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُوْرُوا القُبُورَ فَإنَّها تُذَّكِرَّكُمُ المَوْتَ» .
انفرد بإخراجه مسلم.

عن أبي بُريدة عن أبيه قال: أتيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف على عسفان فنظر يميناً وشمالاً، وأبصر قبر أمه، فورد الماء، فتوضأ ثم صلى ركعتين، فلم يفجأنا إلا ببكائه.

فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم انصرف إلينا فقال: «مَا الذي أبْكَاكُم؟» قالوا: بكيت فبكينا يا رسول الله.
قال: «وما ظَنَنْتُم؟» .
قالوا: ظننا أن العذاب نازل علينا.
قال: «لمْ يَكُن مِن ذَلكَ شَيْءٌ» .
فقالوا: فظننا أن أمتك كلِّفت من الأعمال ما لا تطيق.
قال: «لمْ يكُن مِن ذَلكَ شَيْءٌ، ولَكِنَّنِي مَرَرْتُ بِقَبْرِ أُمِّي، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ واستَأْذَنْتُ رَبِّي في أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَنُهِيْتُ، فَبَكَيْتُ؛ ثُمَ عُدْتُ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ واسْتَأذَنْتُ رَبِّي في أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَزُجِرْتُ زَجْرًا، فَعَلا بُكَائِي» .
ثم دعا براحلته فركبها، فما سار إلا هُنَيَّة حتى قامت الراحلة بثقل الوحي؛ فأنزل الله تعالى: {س9ش113مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو?اْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }(التوبة: 113)
.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أشْهِدُكُم أنِّي بَريءٌ من آمِنَةَ كَمَا تَبَرَّأ إبْراهِيمُ مِن أَبِيهِ» .
عن الحسن بن جابر، وكان من المجاورين بمكة قال: رُفع إلى المأمون أن السَّيل يدخل قبر أمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. لموضع معروف هناك، فأمر المأمون بإحكامه.
قال ابن البراء: قد وصف لي وأنا بمكة وضعه.
فيجوز أن يكون توفيت بالأبواء ثم حملت إلى مكة فدفنت بها.

الباب الثاني والثلاثون
في ذكر كفالة عبد المطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أمه آمنة

عن نافع بن جبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مع أمه آمنة بنت وهب، فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورقَّ عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه ويُدْنيه ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام، وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني إنه ليؤتين ملْكاً.
1 وقال قوم من بني مُدْلج لعبد المطلب: احتفظ به، فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام منه. فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء. فكان أبو طالب يحتفظ به.
1 وقال عبد المطلب لأم أيمن، وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بركة لا تغفلي عن ابني، فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة.
1 وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال: عليَّ بإبني. فيؤتى به إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته.
عن ابن عباس قال: سمعت أبي يقول: كان لعبد المطلب مَفرش في الحجْر لا يجلس عليه غيره، وكان حربُ بن أمية فمَنْ دونه يجلسون حوله دون المَفْرش، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو غلام لم يبلغ، فجلس على المفرش فجذبه رجل، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد المطلب، وذلك ما بعد كُفَّ بصره: ما لابني يبكي؟ قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه. فقال عبد المطلب: دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحسُّ من نفسه شرَفاً، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربيٌّ قبله ولا بعدَه.

الباب الثالث والثلاثون
في ذكر خروج عبد المطلب برسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقون عند منام رقيقة
عن رقيقة، وهي لِدة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون أمحَلت الضَّرْع وأدقَّت العظم.

فبَيْنا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صَحِل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه، وهذا إبَّان نجومه فحيهلاً بالحَيَا والخصب، ألا فانظروا رجلاً منكم وسيطاً عظاماً جسَاماً، أبيض بَضَّا أوطفَ الأهداب، سهل الخدين، أشمَّ العرنَين له فخر يكظم عليه، وسُنة تُهدى إليه، فليَخْلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجل، فليستَنُّوا من الماء وليمسُّوا من الطيِّب، ثم يستلموا الركن ثم ليرتقوا أبا قُبَيس، فليَسْتسق الرجل وليؤمِّن من القوم، فغِثْتم ما شئتم.
فأصبحتُ عَلم الله مذعورة قد اقشعر جلدْي وولَه عقلي، واقتصَصَت رؤياي، فوالحرمة والحَرَم ما بقي (بها) أبْطحي إلا قال: هذا شَيْبة الحمد.
فتتامَّت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فسنوا ومسُّوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قُبَيس، وطبقوا جانبيه ما يَبلغ سعيهم مُهْلةً، حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام قد أيفع أو كَرب، فقال: اللهم سادَّ الخَلَّة وكاشف الكُرْبة أنت معلِّمٌ غير مُعلَّمٍ، ومسؤول غير مُبخَل، وهؤلاء عبادك وإماؤك بعُدرات حرمك يشكون إليك سنتهم، أذهبت الخُفَّ والظلف، اللهم فأمطرنا غيثاً مُغدقاً ممرعاً.
فوالكعبة ما راحوا حتى تفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه، فلسمعت شيخان قريش وجلتها: عبدَالله بن جُدْعان، وحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء. أي عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:
بشَيبة الحمد أسقى الله بلدتنا
لما فقدْنا الحيا واجلوَّذَ المطرُ
فجاد بالماء جَوْنيٌّ له سَبل
سحًّا فعاشت به الأنعام والشجرُ
مُبَارَكُ الأمرُ يُسْتسقى الغمام به
ما في الأنام له عِدْلٌ ولا خطر
منَّا من الله بالميمون طائره
وخَيْر مَنْ بشرَت يوماً به مُضرُ

الباب الرابع والثلاثون

في ذكر خروج عبد المطلب لتهنئة سَيْف بن ذي يَزَن بالمُلكوتبشير سيفٍ عبدَ المطلب بأنه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسْله
عن ابن الكلبي قال: لمَّا ملك سيفُ بن ذي يَزَن أرضَ اليمن وقتل الحَبَش وأبادهم وفدت إليه أشرافُ العرب ورؤساؤهم ليهنئوه بما ساق الله من الظَّفر.
ووفِد وفدُ قريش، وكانوا خمسة من عظمائهم: عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبدالله بن جُدعان، وخُويلد بن أسيد، ووهب بن عبد مناف بن زهرة.
فساروا حتى وافَوْا مدينة صنعاء، وسيف بن ذي يزن نازل بقصر يقال له غُمْدان، وكان أحد القصور التي بنتها الشياطين لبلقيس بأمر سليمان، فأناخ عبد المطلب وأصحابه واستأذنوا على سيف فأذن لهم.
فدخلوا وهو جالس على سرير من ذهب، وحوله أشراف اليمن على كراسي من الذهب، وهو متضمخ بالعنبر وبصيصُ المسك يلوح من مَفْرقه، فحيَّوه بتحية الملك، ووضعت لهم كراسي الذهب فجلسوا عليها إلا عبد المطلب فإنه قام ماثلاً بين يديه واستأذنه في الكلام.
فقيل له: إن كنت ممن تتكلم بين يدي الملوك فتكلم.
فقال: أيها الملك إن الله قد أحلك مَحِلاً رفيعاً شامخاً منيعاً، وأنْبَتك مَنْبتاً طابت أرومته وعزَّت جرثومته، وثبت أصله وبَسق فَرْعه، في أطيب مغرس وأعذب منبت، فأنت أيها الملك ربيعُ العرب الذي إليه مَلاذها، وورْدها الذي إليه مَعادها، سلفُك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، ولن يهلك الله من أنت خلفه، ولن يَخْمل من أنت سلفه.
نحن أيها الملك أهل حَرَم الله وسدنة بيت الله، أوفدنا إليك الذي أبْهَجنا مِن كَشْف الضر الذي فَدَحنا، فنحن وفد التّهنئة لا وفد الترزئة.
فقال سيف: أنتم قريش الأباطح؟
قالوا: نعم.
قال: مرحباً وأهلاً وناقة ورحلاً ومُناخاً سهلاً، وملكاً سَمحلاً يعطي عطاءً جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف فضلكم، فأنتم أهل الشرف والحمد والثناء والمجد، فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء الواسع إذا انصرفتم.

ثم قال لعبد المطلب: أيهم أنت؟
قال: أنا عبدُ المطَّلب بن هاشم.
قال: إياك أردت ولك حشدت، فأنت ربيع الأنام وسيد الأقوام، انطلقوا وانزلوا حتى أدعو بكم.
ثم أمر بإنزالهم وإكرامهم.
فأقاموا شهراً لا يدعوهم، حتى انتبه ذات يوم فأرسل إلى عبد المطلب: ايتني وحدَك مِن بين أصحابك.

فأتاه فوجده مستخلياً لا أحدَ عنده، فقرَّبه حتى أجلسه معه على سريره، ثم قال: يا عبد المطلب إني أريد أن ألقي إليك من علمي سراً لو غيرك يكون لم أبحْ به إليه، غير أني رأيتك معدنه، فليكن عندك مصوناً حتى يأذن الله فيه بأمره، فإن الله منجز وعده وبالغُ أمره.
قال عبد المطلب: أرشدَك الله أيها الملك.
قال سيف: إني أجد في الكتب الصادقة والعلوم السابقة التي اختزنَّاها لأنفسنا، وسترْناها عن غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفخر الممات، للعرب عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
فقال عبد المطلب: أيها الملك لقد أبتُ بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته أن يزيدني من سروره إياي سروراً.
فقال سيف: نبي يبعث من عقبك، ورسولٌ من قرنك، اسمه أحمد ومحمد وهذا زمانه الذي يولد فيه أو لعله قد ولد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه (قد ولدناه مراراً) والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، تخمد عند مولده النيران، ويعبد الواحد المنان ويزجر الكفر والطغيان، ويكسر اللات والأوثان، قوله فصل وحكمه عَدْل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب: علا كعبك ودام فضلك وطال عمرك، فهل الملك سارِّي بإفصاح وتفسير وإيضاح؟
قال سيف: والبيت ذي الحُجُب، والآيات والكتب، إنك يا عبد المطلب لجدُّه غير كذب.
فخرَّ عبد المطلب ساجداً.
قال سيف: ارفع رأسك، ثلج صدرُك وطال عمرك، وعلا أمرك، فهل أحسست بشيء مما ذكرت لك؟

قال عبد المطلب: نعم أيها الملك، كان لي ابن كنت به معجباً، فزوَّجته كريمة من كرائم قومي يقال لها آمنة بنت وهب، فجاءت بغلام سميته محمداً وأحمد، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه.
قال: هو هو لله أبوك، فاحذر عليه أعداءه، وإن الله لم يجعل لهم عليه سبيلاً، ولولا علمي بأن الموت مجتاحي قبل ظهوره لسرْت إليه بخيلي ورجلي حتى أجعل مدينة يثرب دار ملكي، فإني أجد في كتب آبائي أن بيثرب استتباب أمره، وهم أهل دعوته ونصرته، وفيها موضع قبره، ولولا ما أجد من بلوغه الغايات وأن أقيه الآفات وأن أدفع عنه العاهات، لأظهرت اسمه وأوطأت العرب عقِبه، وإن أعش فسأصرف ذلك إليه. قم فانصرف بمن معك من أصحابك. ثم أمر لكل رجل منهم بمائتي بعير وعشرة أعبد من الحبش وعشرة أرطال من الذهب وحلتين من البرود. وأمر لعبد المطلب بمثل جميع ما أمر لهم، وقال له: يا عبد المطلب إذا شبَّ محمد وترعرع فاقدم عليّ بخبره. ثم ودعوه وانصرفوا إلى مكة.

فكان عبد المطلب يقول: لا تغبطوني بكرامة الملك إياي دونكم وإن كان ذلك جزيلاً وفضل إحسانه إليّ وإن كان كثيراً، اغبطوني بأمر ألقاه إليّ من شرفٍ لي ولعقبي من بعدي. فكانوا يقولون له: ما هو؟
فيقول: ستعرفونه بعد حين.
فمكث سيف باليمن ملكاً عدة أحوال، وإنه ركب يوماً كنحو ما كان يركب للصيد وقد كان قد اتخذ من السودان نفراً يجهزون بين يديه بحرابهم، فعطفوا عليه يوماً فقتلوه وبلغ كسرى أنوشروان فرد إليهم هُرْمز وأمره أن لا يدع أسودَ إلا قتله.
عن ابن عباس قال: لما ظهر ابن ذي يزن على الحبشة بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم أتت وفود العرب وشعراؤها تهنيه وتمدحه، فأتاه فيمن أتاه وفد من قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبدالله بن جدْعان، وخويلد بن أسد في ناس من وفود قريش، فقدموا عليه صنعاء، فإذا هو في رأس غمدان الذي ذكره أمية بن أبي الصلت:

اشرب هنيئاً عليك التاجُ مرتفعاً
في رأس غُمدان داراً منك محلالا
فدخل عليه الإِذن فأخبره بمكانهم، فأذن لهم.
فدنا عبد المطلب واستأذنه في الكلام فقال له: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك.
فقال: إن الله أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته وعزَّت جرثومته، وثبت أصله وبسق فرعه، في أكرم موطن وأطيب معدن، فأنت ملك العرب وربيعها الذي يخصب، وأمير العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد ومَعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك (لك) خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يخمل من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه. نحن أيها الملك أهلُ حرم الله عز وجل وَسَدَنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكربَ الذي فدَحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة.
قال: وأيهم أنت أيها المتكلم؟
قال: أنا عبد المطلب بن هاشم.
قال: ابن أختنا؟ يعني الأنصار.
قال: نعم.
قال: أدنه. فأدناه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً سَمَحْلاً يعطي عطاءً جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، وأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم.
ثم نهضوا إلى دار الضيافة والرفد، فأقاموا شهراً لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه وقال: يا عبد المطلب إني مفوِّض إليك من سرِّ علمي ما لو لم يكن غيرك لم أبحْ به، ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك عليه، فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره، فإني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اختزناه لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.

قال عبد المطلب: أيها الملك مثلك سَرَّ وبرَّ فما هو؟ فدا لك أهل الوبر زُمراً بعد زُمر.
قال: إذا ولد مولود بتهامة، غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإِمامة ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة.
فقال عبد المطلب: أبيتَ اللعن، لقد أبتُ بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألت من سارِّه إياي ما أزداد به سروراً.
قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد، واسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، قد ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً وجاعل له منا أنصاراً يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، يضرب بهم الناس عن عَرْض ويمسح بهم كرائمَ الأرض، يكسر الأوثان، ويخمد النيران ويعبد الرحمن، ويَدْحر الشيطان، قوله فَصْل وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهي عن المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب: عز جدك وعلا كعبك ودام مُلكك وطال عُمرك فهل الملك سارِّي بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإِيضاح؟
قال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجدُّه غير كذب.
فخرَّ عبد المطلب ساجداً، فقال له: ارفع رأسك ثلُج صدرُك وعلا أمرك، فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟
قال: أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجَباً وعليه رفيقاً، زوجته كريمةً من كرائم قومي آمنة بنت وهب، فولدت غلاماً فسميته محمداً، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه.

قال ابن ذي يزن: إن الذي قلتُ لك كما قلتَ، فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً، واطوِ ما ذكرتُ لك عن هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أن تَدخلهم النفاسة من أن يكون لكم الرياسة؛ فيطلبون لك الغوائل ويَنْصبون لك الحبائل، وهم فاعلون أو أبناؤهم، ولولا أعلم أن الموت مجتاحي قبل مَبْعثه لسِرْت بخيلي ورحلي حتى أصيِّر يثرب دار ملكي، فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهلُ نصرته وموضع قبره، ولولا أني أقِيه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمرَه ولأوطأت أسنان العرب عقِبه، ولكني سأصرف ذلك إليك من غير تقصير بمن معك. وأمر لكل واحد منهم بعشرة أعْبد، وعشرة إماء، ومائة من الإِبل، وحلتين من البرود، وخمسة أرطال ذهباً وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال: إذا جاء الحول فائتني. فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول.

وكان عبد المطلب كثيراً ما يقول: يا معشر قريش لا يغْبطني أحد بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني مما يَبْقى لي ولعقبي من بعدي ذكره ومجده وشرفه فإذا قيل: ومتى ذلك؟ قال: سيعلم ولو بعد حين.
وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:
جلَبْنَا النصحَ تَحْقُبُهُ المطايا
على أكوارِ أجمالٍ ونُوقِ
مُغلغلةً مَرَابعُها ثقالا
إلى صنعاءَ مِنْ فَجَ عميقِ
نَؤمُّ بنا ابن ذي يزن وتَقْرى
ذواتَ بطونها أمَّ الطريق
فلما وافقَتْ صنعاء حلت
بدارِ المُلك والحسبِ العريق

الباب الثاني والثلاثون
في ذكر كفالة عبد المطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أمه آمنة

عن نافع بن جبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مع أمه آمنة بنت وهب، فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورقَّ عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه ويُدْنيه ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام، وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني إنه ليؤتين ملْكاً.
1 وقال قوم من بني مُدْلج لعبد المطلب: احتفظ به، فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام منه. فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء. فكان أبو طالب يحتفظ به.
1 وقال عبد المطلب لأم أيمن، وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بركة لا تغفلي عن ابني، فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة.
1 وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال: عليَّ بإبني. فيؤتى به إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته.
عن ابن عباس قال: سمعت أبي يقول: كان لعبد المطلب مَفرش في الحجْر لا يجلس عليه غيره، وكان حربُ بن أمية فمَنْ دونه يجلسون حوله دون المَفْرش، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو غلام لم يبلغ، فجلس على المفرش فجذبه رجل، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد المطلب، وذلك ما بعد كُفَّ بصره: ما لابني يبكي؟ قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه. فقال عبد المطلب: دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحسُّ من نفسه شرَفاً، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربيٌّ قبله ولا بعدَه.

الباب الثالث والثلاثون
في ذكر خروج عبد المطلب برسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقون عند منام رقيقة
عن رقيقة، وهي لِدة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون أمحَلت الضَّرْع وأدقَّت العظم.

فبَيْنا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صَحِل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه، وهذا إبَّان نجومه فحيهلاً بالحَيَا والخصب، ألا فانظروا رجلاً منكم وسيطاً عظاماً جسَاماً، أبيض بَضَّا أوطفَ الأهداب، سهل الخدين، أشمَّ العرنَين له فخر يكظم عليه، وسُنة تُهدى إليه، فليَخْلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجل، فليستَنُّوا من الماء وليمسُّوا من الطيِّب، ثم يستلموا الركن ثم ليرتقوا أبا قُبَيس، فليَسْتسق الرجل وليؤمِّن من القوم، فغِثْتم ما شئتم.
فأصبحتُ عَلم الله مذعورة قد اقشعر جلدْي وولَه عقلي، واقتصَصَت رؤياي، فوالحرمة والحَرَم ما بقي (بها) أبْطحي إلا قال: هذا شَيْبة الحمد.
فتتامَّت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فسنوا ومسُّوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قُبَيس، وطبقوا جانبيه ما يَبلغ سعيهم مُهْلةً، حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام قد أيفع أو كَرب، فقال: اللهم سادَّ الخَلَّة وكاشف الكُرْبة أنت معلِّمٌ غير مُعلَّمٍ، ومسؤول غير مُبخَل، وهؤلاء عبادك وإماؤك بعُدرات حرمك يشكون إليك سنتهم، أذهبت الخُفَّ والظلف، اللهم فأمطرنا غيثاً مُغدقاً ممرعاً.
فوالكعبة ما راحوا حتى تفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه، فلسمعت شيخان قريش وجلتها: عبدَالله بن جُدْعان، وحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء. أي عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:
بشَيبة الحمد أسقى الله بلدتنا
لما فقدْنا الحيا واجلوَّذَ المطرُ
فجاد بالماء جَوْنيٌّ له سَبل
سحًّا فعاشت به الأنعام والشجرُ
مُبَارَكُ الأمرُ يُسْتسقى الغمام به
ما في الأنام له عِدْلٌ ولا خطر
منَّا من الله بالميمون طائره
وخَيْر مَنْ بشرَت يوماً به مُضرُ

الباب الرابع والثلاثون

في ذكر خروج عبد المطلب لتهنئة سَيْف بن ذي يَزَن بالمُلكوتبشير سيفٍ عبدَ المطلب بأنه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسْله
عن ابن الكلبي قال: لمَّا ملك سيفُ بن ذي يَزَن أرضَ اليمن وقتل الحَبَش وأبادهم وفدت إليه أشرافُ العرب ورؤساؤهم ليهنئوه بما ساق الله من الظَّفر.
ووفِد وفدُ قريش، وكانوا خمسة من عظمائهم: عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبدالله بن جُدعان، وخُويلد بن أسيد، ووهب بن عبد مناف بن زهرة.
فساروا حتى وافَوْا مدينة صنعاء، وسيف بن ذي يزن نازل بقصر يقال له غُمْدان، وكان أحد القصور التي بنتها الشياطين لبلقيس بأمر سليمان، فأناخ عبد المطلب وأصحابه واستأذنوا على سيف فأذن لهم.
فدخلوا وهو جالس على سرير من ذهب، وحوله أشراف اليمن على كراسي من الذهب، وهو متضمخ بالعنبر وبصيصُ المسك يلوح من مَفْرقه، فحيَّوه بتحية الملك، ووضعت لهم كراسي الذهب فجلسوا عليها إلا عبد المطلب فإنه قام ماثلاً بين يديه واستأذنه في الكلام.
فقيل له: إن كنت ممن تتكلم بين يدي الملوك فتكلم.
فقال: أيها الملك إن الله قد أحلك مَحِلاً رفيعاً شامخاً منيعاً، وأنْبَتك مَنْبتاً طابت أرومته وعزَّت جرثومته، وثبت أصله وبَسق فَرْعه، في أطيب مغرس وأعذب منبت، فأنت أيها الملك ربيعُ العرب الذي إليه مَلاذها، وورْدها الذي إليه مَعادها، سلفُك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، ولن يهلك الله من أنت خلفه، ولن يَخْمل من أنت سلفه.
نحن أيها الملك أهل حَرَم الله وسدنة بيت الله، أوفدنا إليك الذي أبْهَجنا مِن كَشْف الضر الذي فَدَحنا، فنحن وفد التّهنئة لا وفد الترزئة.
فقال سيف: أنتم قريش الأباطح؟
قالوا: نعم.
قال: مرحباً وأهلاً وناقة ورحلاً ومُناخاً سهلاً، وملكاً سَمحلاً يعطي عطاءً جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف فضلكم، فأنتم أهل الشرف والحمد والثناء والمجد، فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء الواسع إذا انصرفتم.

ثم قال لعبد المطلب: أيهم أنت؟
قال: أنا عبدُ المطَّلب بن هاشم.
قال: إياك أردت ولك حشدت، فأنت ربيع الأنام وسيد الأقوام، انطلقوا وانزلوا حتى أدعو بكم.
ثم أمر بإنزالهم وإكرامهم.
فأقاموا شهراً لا يدعوهم، حتى انتبه ذات يوم فأرسل إلى عبد المطلب: ايتني وحدَك مِن بين أصحابك.

فأتاه فوجده مستخلياً لا أحدَ عنده، فقرَّبه حتى أجلسه معه على سريره، ثم قال: يا عبد المطلب إني أريد أن ألقي إليك من علمي سراً لو غيرك يكون لم أبحْ به إليه، غير أني رأيتك معدنه، فليكن عندك مصوناً حتى يأذن الله فيه بأمره، فإن الله منجز وعده وبالغُ أمره.
قال عبد المطلب: أرشدَك الله أيها الملك.
قال سيف: إني أجد في الكتب الصادقة والعلوم السابقة التي اختزنَّاها لأنفسنا، وسترْناها عن غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفخر الممات، للعرب عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
فقال عبد المطلب: أيها الملك لقد أبتُ بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته أن يزيدني من سروره إياي سروراً.
فقال سيف: نبي يبعث من عقبك، ورسولٌ من قرنك، اسمه أحمد ومحمد وهذا زمانه الذي يولد فيه أو لعله قد ولد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه (قد ولدناه مراراً) والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، تخمد عند مولده النيران، ويعبد الواحد المنان ويزجر الكفر والطغيان، ويكسر اللات والأوثان، قوله فصل وحكمه عَدْل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب: علا كعبك ودام فضلك وطال عمرك، فهل الملك سارِّي بإفصاح وتفسير وإيضاح؟
قال سيف: والبيت ذي الحُجُب، والآيات والكتب، إنك يا عبد المطلب لجدُّه غير كذب.
فخرَّ عبد المطلب ساجداً.
قال سيف: ارفع رأسك، ثلج صدرُك وطال عمرك، وعلا أمرك، فهل أحسست بشيء مما ذكرت لك؟

قال عبد مطلب: نعم أيها الملك، كان لي ابن كنت به معجباً، فزوَّجته كريمة من كرائم قومي يقال لها آمنة بنت وهب، فجاءت بغلام سميته محمداً وأحمد، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه.
قال: هو هو لله أبوك، فاحذر عليه أعداءه، وإن الله لم يجعل لهم عليه سبيلاً، ولولا علمي بأن الموت مجتاحي قبل ظهوره لسرْت إليه بخيلي ورجلي حتى أجعل مدينة يثرب دار ملكي، فإني أجد في كتب آبائي أن بيثرب استتباب أمره، وهم أهل دعوته ونصرته، وفيها موضع قبره، ولولا ما أجد من بلوغه الغايات وأن أقيه الآفات وأن أدفع عنه العاهات، لأظهرت اسمه وأوطأت العرب عقِبه، وإن أعش فسأصرف ذلك إليه. قم فانصرف بمن معك من أصحابك. ثم أمر لكل رجل منهم بمائتي بعير وعشرة أعبد من الحبش وعشرة أرطال من الذهب وحلتين من البرود. وأمر لعبد المطلب بمثل جميع ما أمر لهم، وقال له: يا عبد المطلب إذا شبَّ محمد وترعرع فاقدم عليّ بخبره. ثم ودعوه وانصرفوا إلى مكة.

فكان عبد المطلب يقول: لا تغبطوني بكرامة الملك إياي دونكم وإن كان ذلك جزيلاً وفضل إحسانه إليّ وإن كان كثيراً، اغبطوني بأمر ألقاه إليّ من شرفٍ لي ولعقبي من بعدي. فكانوا يقولون له: ما هو؟
فيقول: ستعرفونه بعد حين.
فمكث سيف باليمن ملكاً عدة أحوال، وإنه ركب يوماً كنحو ما كان يركب للصيد وقد كان قد اتخذ من السودان نفراً يجهزون بين يديه بحرابهم، فعطفوا عليه يوماً فقتلوه وبلغ كسرى أنوشروان فرد إليهم هُرْمز وأمره أن لا يدع أسودَ إلا قتله.
عن ابن عباس قال: لما ظهر ابن ذي يزن على الحبشة بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم أتت وفود العرب وشعراؤها تهنيه وتمدحه، فأتاه فيمن أتاه وفد من قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبدالله بن جدْعان، وخويلد بن أسد في ناس من وفود قريش، فقدموا عليه صنعاء، فإذا هو في رأس غمدان الذي ذكره أمية بن أبي الصلت:

اشرب هنيئاً عليك التاجُ مرتفعاً
في رأس غُمدان داراً منك محلالا
فدخل عليه الإِذن فأخبره بمكانهم، فأذن لهم.
فدنا عبد المطلب واستأذنه في الكلام فقال له: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك.
فقال: إن الله أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته وعزَّت جرثومته، وثبت أصله وبسق فرعه، في أكرم موطن وأطيب معدن، فأنت ملك العرب وربيعها الذي يخصب، وأمير العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد ومَعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك (لك) خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يخمل من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه. نحن أيها الملك أهلُ حرم الله عز وجل وَسَدَنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكربَ الذي فدَحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة.
قال: وأيهم أنت أيها المتكلم؟
قال: أنا عبد المطلب بن هاشم.
قال: ابن أختنا؟ يعني الأنصار.
قال: نعم.
قال: أدنه. فأدناه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً سَمَحْلاً يعطي عطاءً جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، وأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم.
ثم نهضوا إلى دار الضيافة والرفد، فأقاموا شهراً لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه وقال: يا عبد المطلب إني مفوِّض إليك من سرِّ علمي ما لو لم يكن غيرك لم أبحْ به، ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك عليه، فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره، فإني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اختزناه لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.

قال عبد المطلب: أيها الملك مثلك سَرَّ وبرَّ فما هو؟ فدا لك أهل الوبر زُمراً بعد زُمر.
قال: إذا ولد مولود بتهامة، غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإِمامة ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة.
فقال عبد المطلب: أبيتَ اللعن، لقد أبتُ بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألت من سارِّه إياي ما أزداد به سروراً.
قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد، واسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، قد ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً وجاعل له منا أنصاراً يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، يضرب بهم الناس عن عَرْض ويمسح بهم كرائمَ الأرض، يكسر الأوثان، ويخمد النيران ويعبد الرحمن، ويَدْحر الشيطان، قوله فَصْل وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهي عن المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب: عز جدك وعلا كعبك ودام مُلكك وطال عُمرك فهل الملك سارِّي بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإِيضاح؟
قال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجدُّه غير كذب.
فخرَّ عبد المطلب ساجداً، فقال له: ارفع رأسك ثلُج صدرُك وعلا أمرك، فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟
قال: أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجَباً وعليه رفيقاً، زوجته كريمةً من كرائم قومي آمنة بنت وهب، فولدت غلاماً فسميته محمداً، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه.

قال ابن ذي يزن: إن الذي قلتُ لك كما قلتَ، فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً، واطوِ ما ذكرتُ لك عن هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أن تَدخلهم النفاسة من أن يكون لكم الرياسة؛ فيطلبون لك الغوائل ويَنْصبون لك الحبائل، وهم فاعلون أو أبناؤهم، ولولا أعلم أن الموت مجتاحي قبل مَبْعثه لسِرْت بخيلي ورحلي حتى أصيِّر يثرب دار ملكي، فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهلُ نصرته وموضع قبره، ولولا أني أقِيه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمرَه ولأوطأت أسنان العرب عقِبه، ولكني سأصرف ذلك إليك من غير تقصير بمن معك. وأمر لكل واحد منهم بعشرة أعْبد، وعشرة إماء، ومائة من الإِبل، وحلتين من البرود، وخمسة أرطال ذهباً وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال: إذا جاء الحول فائتني. فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول.

وكان عبد المطلب كثيراً ما يقول: يا معشر قريش لا يغْبطني أحد بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني مما يَبْقى لي ولعقبي من بعدي ذكره ومجده وشرفه فإذا قيل: ومتى ذلك؟ قال: سيعلم ولو بعد حين.
وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:
جلَبْنَا النصحَ تَحْقُبُهُ المطايا
على أكوارِ أجمالٍ ونُوقِ
مُغلغلةً مَرَابعُها ثقالا
إلى صنعاءَ مِنْ فَجَ عميقِ
نَؤمُّ بنا ابن ذي يزن وتَقْرى
ذواتَ بطونها أمَّ الطريق
فلما وافقَتْ صنعاء حلت
بدارِ المُلك والحسبِ العريق

الباب الخامس والثلاثون
في ذكر موت عبد المطلب

قالوا: لما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته، وقال لبناته: ابكينني وأنا أسمع. فبكته كل واحدة منهن بشعر، فلما سمع قول أُمَيْمة وقد أمسك لسانه جعل يحرك رأسه: أي قد صدقت. وقد كنت لذلك وهو قولها:
أعينيَّ جودي بدمع دَرِر
على طيِّب الخِيم والمُعْتَصرْ
على ماجد الجَدِّ واري الزنادِ
جميل المُحيَّا عظيم الخطر
على شيبَة الحمد ذي المكرمات
وذي المجد والعز والمفتخر
وذي المجد والفضل في النائبات
كثير المكارم جَم الفحَرْ
أتته المنايا فلم تُشْوه
بَصرْف الليالي وريب القدر
قال: ومات عبد المطلب وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. ويقال: ابن مائة وعشر سنين. ويقال: ابن مائة وعشرين سنة.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: «نَعَمْ، وَأَنا يَوْمَئِذٍ ابنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ» .
قالت: أم أيمن: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف سرير عبد المطلب يبكي.
عن ابن جريج قال: كنا جلوساً مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس وفضله، وعلي بن عبدالله في الطواف خلفه، فتعجبنا من تمام قامتهما وحسن وجوههما.
قال عطاء: وأين حسنهما من حسن عبدالله بن عباس ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة وأنا في المسجد الحرام طالعاً من جبل أبي قبيس إلا تذكرت وجه عبدالله بن عباس، ولقد رأيتنا جلوساً معه في الحجر إذا أتاه شيخ قديم بدوي من هذيل يعتمد على عصاه، فسأله عن مسألة فأجابه، فقال الشيخ لبعض من في المسجد: من هذا الفتى.
قالوا: هذا عبد الله بن عباس بن عبد المطلب.
فقال الشيخ: سبحان الله، غير حسن عبدالله بن عباس بن عبد المطلب إلى ما أرى.

قال عطاء: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة وأحسن الناس وجهاً، ما رآه أحد إلا أحبه، كان له مفرش في الحجر ما يجلس عليه غيره، ولا يجلس عليه أحد، وكان النَّدْوَي من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون دون الفرش، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو غلام لم يبلغ فجلس على الفرش، فجذبه رجل فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد المطلب وذلك بعد ما كفَّ بصره: ما لابني يبكي؟
فقالوا: أراد أن يجلس على الفرش فمنعوه.
فقال عبد المطلب: دعوا ابني يجلس عليه، فإنه يحسُّ من نفسه بشرَف، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده.

قال: ومات عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثمان سنين، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون.
قال: ودفن عبد المطلب بالحجون.
وإنما أوصى برسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طالب؛ لأن أبا طالب وعبدالله كانا أخوين لأم، وقد كان الزبير لأمهما، غير أن في سبب تقديم أبي طالب ثلاثة أقوال:
أحدها: وصية عبد المطلب إليه.
والثاني: أنهما اقترعا فخرجت القرعة لأبي طالب.
والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاره.

الباب السادس والثلاثون
في ذكر كفالة أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن ابن عباس قال: لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فكان يكون معه وكان أبو طالب لا مال له، إن كان يحبه حباً شديداً لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلاَّ إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه وصبَّ به أبو طالب صبابة لم يصبَّ مثلها بشيء قط، وقد كان يخصه بالطعام، وإذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا، فكان إذا أراد أن يغذيهم قال: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب: إنك لمبارك
وكان الصبيان يصبحون رمصاً شعثاً ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهيناً كحيلاً.
عن عمرو بن سعيد قال: كان أبو طالب يلقي له وسادة يقعد عليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يقعد عليها فقال أبو طالب: وآلهة ربيعة إن ابن أخي ليحس بنعيم.
عن عمرو بن سعيد أنا أبا طالب قال: كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت يا ابن أخي قد عطشت، وما قلت له وأنا أرى أن عنده شيئاً إلا الجوع، قال: فثنى وركه ثم نزل فقال: يا عم أعطشت؟ قال: قلت نعم. فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء، فقال: اشرب يا عم فشربت.

الباب السابع والثلاثون
في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب ولقائه بحيرى
عن داود بن الحسين قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركبُ بصرى من الشام وبها راهب في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه.

فلما نزلوا بدير بحيرى وكانوا كثيراً ما يمرون به لا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلاً قريباً من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا صنع لهم طعاماً ودعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة فاخضلت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرى ذلك نزل عن صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به، وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيراً ولا كبيراً حراً ولا عبداً، فإن هذا شيء تكرموني به.
فقال له رجل: إن لك لشأناً يا بحيرى، ما كنت تصنع هذا، فما شأنك اليوم؟
قال: إني أحب أن أكرمكم ولكم حق.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه، في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى إلى القوم ولم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرى: يا معشر قريش لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي.
قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام وهو أحدث القوم سناً في رحالهم.
فقال: ادعوه ليحضر طعامي فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم.
فقال القوم: هو والله أوسطنا نسباً، وهو ابن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب.
فقال الحرث بن عبد المطلب: والله إن بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام إليه واحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه.
وجعل بحيرى يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته.

فلما تفرقوا عن الطعام قام إليه الراهب وقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسْأَلْنِي بِاللاتِ والعُزَّى، فَوَالله مَا أبْغَضْتُ شَيْئاً بُغْضَهُمَا» .

قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه.
قال: «سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ» .
قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، فقبَّل موضع الخاتم.
فقالت قريش: إن لمحمد عند الراهب قدراً.
وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه.
فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟
قال أبو طالب: هو ابني.
قال: ما هو ابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً.
قال: فابن أخي.
قال: فما فعل أبوه؟
قال: هلك وأمه حامل به.
قال: ما فعلت أمه؟
قال: توفيت قريباً.
قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه عنتاً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتابنا وما روينا عن آبائنا، وأعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعاً. وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرى فذاكروه أمره، فنهاهم أشد النهي وقال لهم أتجدون صفته؟
قالوا: نعم.
قال: فما لكم إليه سبيل. فصدقوه وتركوه.
ورجع أبو طالب، فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه.

عن أبي بكر بن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت. قال: فهم يحلون رحالهم، فخرج إليهم فجعل يتخللهم حتى جاء، فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين.
فقال له أشياخ من قريش: ما علمك به؟
قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجداً، ولا يسجدون إلاَّ لنبي، وأنا أعرف خاتم النبوة (في أسفل) من غضروف كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به وكان هو في رعية للإِبل، فقال: أرسلوا إليه.
فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم إذا هم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه.
فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم؟

قالوا: أخبرنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا أُخبرنا خبره فبُعثنا إلى طريقك هذه.
فقال: هل خلفكم أحدٌ هو خير منكم؟
قالوا: لا.
قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟
قالوا: لا. (فبايَعوه وأقاموا معه) ثم قال: أنشدكم الله أيكم وليه؟
قال أبو طالب: أنا. فلم يزل يناشده حتى رده فزوده الراهب من الكعك.

الباب الثامن والثلاثون
في ذكر حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفجار
الفجار اثنان: الفجار الأول، والفجار الثاني.
أما الأول فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وكانت الحرب فيه ثلاث مرات:

أما المرة الأولى: فسببها أن بدر بن معشر الغفاري كان يفتخر على الناس فبسط يوماً رجله وقال: أنا أعز العرب، فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف.
فوثب رجل من بني نصر بن معاوية يقال له الأحمر بن مازن فضربه بالسيف على ركبته فأندرها فاقتتلوا.
وأما المرة الثاني: فكان سببها أن امرأة من بني عامر كانت جالسة بسوق عكاظ، فأطاف بها شباب من قريش من بني كنانة فسألوها أن تسْفر فأبتْ، فقام أحدهم فجلس خلفها وحلّ طرف درعها إلى ما فوق عجزها بشوكة، فلما قامت انكشف دبرها فضحكوا وقالوا: منعتينا النظر إلى وجهك وجُدتي لنا بالنظر إلى دبرك
فنادت: يا آل عامر. فتنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الوفا بتعريف فضائل المصطفى - الجزء الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قرية اخطاب  :: اسلاميات-
انتقل الى: