عبد الرحمن حسن
عدد المساهمات : 56 نقاط : 168 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 04/03/2011
| موضوع: دروس من الإسراء والمعراج الخميس يوليو 28, 2011 4:00 am | |
| دروس من الإسراء والمعراج أرسل الله تعالى سيدنا ومولانا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين، واصطفاه ليكون كنز الرحمة العامة ومظهر الرحمة الخاصة, لذلك فالعوالم كلها لها قسط من رحمة الله التى تجسدت فيه، وكما تشرفت به العوالم الأرضية فلا بد للعوالم العلوية أن تتشرف به أيضًا . وعوالم الملائكة عمار السموات هم الذين شهدوا جمال الحق فى آدم وسجدوا له، أما ما وراء السموات من عوالم غيبية (عالين وأعلى عليين وغيرها) فلم يروا آدم ولم يشهدوا جمال الحق فيه، قال تعالى لإبليسمَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ( (ص: 75) قال العلماء: عالون نوع من الملائكة لم يؤمروا بالسجود لآدم، فأراد الله أن يشهدهم هذا الجمال الأكمل والأتم فى الصورة المحمدية. ومن عظمة هذا الحدث انقسم الناس فيه إلى عدة أقسام:1- فريق أثبت أن الإسراء والمعراج كانا بالجسم والروح يقظة لا منامًا (وهو الصواب).2- فريق قال: إن الإسراء كان بالجسم والروح، والمعراج كان بالروح فقط.3- فريق قال: إن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط.4- فريق قال: إن الإسراء والمعراج كانا رؤيا منامية.5- فريق أنكر المعجزة بالكلية وهم مشركو مكة.6- فريق جديد يعتبر الاحتفال بالإسراء بدعة وهم الوهابية وذيولها، ويحاولون منعه.. فقد ذكر عبد العزيز بن باز (مفتى الوهابية السابق) فى كتابه (التحذير من البدع) طبعة الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد, الرياض المملكة العربية السعودية, لسنة 1412ﻫ ص 18- 20 ما يلى: (وهذه الليلة التى حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت فى الأحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد فى تعيينها فهو ثابت عن النبى (صلى الله عليه وسلم) عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة فى إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشىء من العبادات، فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه y لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشىء، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول (صلى الله عليه وسلم) للأمة إما بالقول أو بالفعل، ولو وقع شىء من ذلك لعرف واشتهر ولنقله الصحابة y إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم (صلى الله عليه وسلم) كل شىء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا فى شىء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبى (صلى الله عليه وسلم) هو أنصح الناس للناس وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ وأدى الأمانة، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبى (صلى الله عليه وسلم) ولم يكتمه، فلما لم يقع شىء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام فى شىء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع فى الدين ما لم يأذن به الله) أ.ﻫ.والسؤال الذى يفرض نفسه بقوة: لماذا تمنع الوهابية وذيولها الاحتفال بالإسراء والمعراج ؟والجواب ينحصر فيما يلى:أولاً: فصل الأمة : عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى هذه الأيام المباركة التى تتوالى علينا باليمن والبركات وبنفحات إسراء النبى (ص) ومعراجه، وما أكرم الله به حبيبه ومصطفاه وخصه بمزية الإسراء والمعراج التى هى فوق المعجزة، حيث إن المعجزة تحتاج إلى أمرين: الأمر الأول التحدى، والثانى الإظهار. ولما كان الأمر فى الإسراء والمعراج فوق المعجزة أعلن الله تعالى ذلك فى كتابه صريحة جلية أنه أسرى بحبيبه (ص) فى جزء بسيط من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى إلى أن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فسبحان من لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء، وهو على كل شـئ قـدير، وكأن الله تعالى يقول لحبيبه(صلى الله عليه وسلم): أرسلتك للناس شاهداً ومبشراً ونذيراً، والشاهد مطالب بحقيقة ما يشهد به، فأريك جنتى لتشاهد فيها ما أعددته لأحبابى، وأريك نارى لتشاهد ما أعددته لأعدائى، ثم أطلعك على جمالى وكمالى لتشاهد أننى فى كمالى منزه عن الوزير والمشير، فلما رآه (صلى الله عليه وسلم) بالنور الذى قوَّاه واحداً أحداً فرداً صمداً، لا من شئ، ولا فى شئ، ولا على شى، ليس كمثله شئ، أوحى الله إليه يا محمد لابد لهذه الخلوة من سر لا يذاع ورمز لا يشاع: )فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى( (النجم: 10- 11) [المواهب اللدنية للقسطلانى 2/48]. وفى إشراق هذه النفحات والتجليات التى تتجدد مع تقلب الزمان وتغير الحدثان، يسوء أهل التكفير والتشريك والتبديع الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج ويعدون ذلك بدعة، فى الوقت الذى يحتفلون فيه بمولد بن عبد الوهاب، ويشد الرحال لحضور هذا المولد كثير من الأبواق الوهابية من أنحاء العالم العربى وذلك حفاظاً على الإمدادات المتوالية من شيوخ النفط كما نشرت مجلة (الدعوة) فى جمادى الآخرة 1400ﻫ ص 14، ويحتفلون بعيد ميلاد كونداليزا رايس كما نشرت صحيفة (الأخبار) 14/11/2005م، ويحتفلون بعودة الأمير سلطان بن عبد العزيز من الرحلة الفضائية فى مركبة ديسكفرى كما نشرت مجلة (الفيصل) العدد 102.والوهابية فى حقيقتها ما هى إلا امتداد لفكر الخوارج يقف وراءها الاستعمار البغيض:- تستهدف الاستهانة بمكانة الشخصيات الإسلامية ، وليكن على رأسها سيدنا ومولانا محمد (صلى الله عليه وسلم)- وإبراز الإسلام فى صورة الدين الجاف الذى لا يقبل التطبيق فى العصور المختلفة.- وإيجاد الفرقة والاختلاف فى صفوف المسلمين للحيلولة دون وحدتهم.- ومحو آثار الإسلام وتحويلها إلى قضية أسطورية لا جذور واضحة لها فى التاريخ.ثانياً: الإسراء والمعراج يفضح عقيدتهم الفاسدةأولاً: زيارة روضات الأولياءحديث الإسراء والمعراج يؤكد مشروعية الصلاة فى الأماكن المباركة وزيارة روضات الصالحين: إن حديث الإسراء والمعراج يبدد ظلمة أهل التكفير والتشريك والتبديع التى تقول بمنع الصلاة والدعاء عند الأماكن المباركة ومشاهد الأنبياء والأولياء ويعدون ذلك شركاً على حد زعمهم.ذكر البزار والطبرانى والبيهقى والقسطلانى فى المواهب والإمام أحمد فى مسنده وصاحب السيرة الحلبية والنبهانى فى جواهر البحار أن المصطفى (ص) نزل فى خمسة أماكن هى:1- يثرب: لما بلغوا أرضاً بيضاء ذات نخل، قال جبريل( عليه السلام ): انزل فصلِّ هنا، ففعل. فقال جبريل: صليت بطيبة وإليها المهاجر.2- مدين: لما بلغ مدين قال جبريل: انزل فصلِّ. ففعل (صلى الله عليه وسلم). فقال جبريل: صليت بمدين، حيث عاش شعيب.3- طور سيناء: لما بلغ طور سيناء قال جبريل( عليه السلام ): انزل فصلِّ. ففعل (ص). فقال جبريل u: صليت بطور سيناء حيث ناجى الله موسى.4- بيت لحم: لما بدت أرض لها قصور، قال جبريل( عليه السلام ): انزل فصلِّ. ففعل (ص). فقال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى.5- قبر موسى (عليه السلام) : لما مر (صلى الله عليه وسلم) على قبر موسى، وهو يصلى فى قبره عند الكثيب الأحمر، أى: حَىٌّ فى عالم البرزخ، قال جبريل ( عليه السلام ) : انزل فصلِّ. ففعل.هذا النزول المبارك يفصل فى قضية هامة فرقت بين الأمة، وهى زيارة روضات الصالحين، والدعاء فى الأماكن التى ارتبطت بهم.. فلماذا هذه الأماكن بالذات؟.الجواب: إن الأرض تبارك بمن يلامسها من الصالحين، والدليل على ذلك أنه لولا هجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) للمدينة ووجود روضته الشريفة بها، لتساوت مع غيرها من الأماكن، وما كانت قبلة تهفو إليها قلوب وأفئدة المحبين والعاشقين، فالمكان الذى سيعيش فيه صالح (يثرب)، والمكان الذى عاش فيه صالح (مدين)، والمكان الذى حدثت فيه كرامة لصالح (طور سيناء)، والمكان الذى ولد فيه صالح (بيت لحم)، والمكان الذى دفن فيه صالح (قبر موسى)، يستحب الدعاء فيه، والدعاء فيه مقبول.. ومن السنة أن الإنسان إذا زار روضة نبى أو ولى أن يصلى فيه، أى: يدعو الله تعالى، معتقداً أن تلك الأماكن يستجاب فيها الدعاء، كما ورد فى صحيح السنة فى أحاديث الإسراء.ثانيًا: الكرامةحديث الإسراءِ والمعراج يبينُ ما أكرمَ اللهُ به أنبياءه وأولياءه من كرامات وآيات: معلوم أن الكرامة عند الكُمَّلِ من العارفين والمحققين هى: أن يكرمك الله بمعرفته، ثم يقيمك عاملاً من عماله سبحانه، لذلك قالوا: الاستقامة خير من ألف كرامة، وقد أشار الله تعالى فى قرآنه لعديد من العطايا لأنبيائه على سبيل المعجزة، وأوليائه على سبيل الكرامة، ومعلوم كذلك أن كرامة الأولياء هى امتداد لمعجزة الأنبياء.. وذلك لحسن اتباعهم وتخلقهم بأخلاقهم.أ- المجاهدون: ففى حديث أبى هريرة عند الطبرانى والبزار أنه مر على قوم يزرعون ويحصدون فى يوم كلما حصدوا عاد كما كان، فسأل جبريل ( عليه السلام ) فقال: هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف )وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( (سبأ: 39).وهذا العطاء الذى لا ينقطع لأوليائه إنما هو من باب الفضل الإلهى، ويشبه ذلك الإتيان بالطعام على غير موعده مع البركة فيه، كما فعل الله تعالى مع السيدة مريم عليها السلام، ومع سيدنا أبى بكر t حينما جاء أضيافًٌ له فكثر الله له الطعام، والحديث أخرجه البخارى فى صحيحه، ولفظه أن أبا بكر كان عنده أضياف فقدم لهم الطعام فلما أكلوا منه ربا أسفله حتى إذا شبعوا قال لامرأته: يا أخت بنى فراس.. ما هذا؟ قالت: وقرة عينى لهى أكثر منها قبل أن يأكلوا.. إلخ.ب- طى الزمان والمكان: حديث الإسراء يبين ما أكرم الله به رسوله (صلى الله عليه وسلم) من طى الزمان والمسافات، ففى إسرائه (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعروجه إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى إلى تكليمه ربه ورؤيته وعودته (صلى الله عليه وسلم ) بالصلاة فى جزء بسيط من الليل تشير إلى طى الزمان والمسافات، وليس هذا بعجيب لحبيب الله ومصطفاه فإن آصف بن برخيا (تلميذ سليمان) الذى آتاه الله علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس فى طرفة عين، )أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ( (النمل: 40)، وفى هذه الرحلة المبارك يتلاشى الزمان والمكان فى حقه (صلى الله عليه وسلم) حيث كان الله ولا شئ معه وهو على ما عليه كان.ثالثًا: النظرة حديث الإسراء والمعراج يؤكد قول أهل السنة والجماعة: نظرة يا رسول الله، وإن كره الوهابيون: غاص العلماء يكشفون حكمة ترديد سيدنا موسى للحبيب الأعظم (صلى الله عليه وسلم) ، وأن المسألة ليست وصاية من موسى ولا قيادة منه فكانت أقوالهم كما يلى:1- قال ابن أبى جمرة فى شرح البخارى: والحكمة فى كون الخليل إبراهيم لم يكلم رسول الله فى طلب التخفيف أن مقام الخلة إنما هو الرضا والتسليم، والكلام فى هذا الشأن ينافى ذلك المقام، وموسى هو الكليم، والكليم أعطى الإدلال والانبساط.2- قال السهيلى: لما قضى الله إلى موسى بجانب الغربى، ورأى صفات أمة محمد(صلى الله عليه وسلم) فى الألواح، وجعل يقول: إنى أجد فى الألواح أمة صفتهم كذا وكذا، اللهم اجعلهم أمتى، فيقول: تلك أمة محمد. قال: اللهم اجعلنى من أمة محمد.. وهو حديث مشهور فى التفاسير.. فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم كما يعتنى بالقوم من هو منهم.3- قيل: السماء السادسة رمزها الكليم موسى u رمز المكالمة والمحادثة والمشافهة، وهى ذاتها رمز الصلاة، ولذلك لم يسأل الخليل رسول الله شيئاً.4- الحقيقة أن سيدنا موسى كان له طلب يتمنى أن يحققه ربه، ولكن الله رده إلى المستقبل البعيد.. فهو الوحيد من الأنبياء الذى طلب رؤية ربه، وكان فى شدة الأدب عند طلبه لأنه يعلم أنه لا يستطيع بنفسه أن يرى ربه، كما أنه طلب الرؤية من باب أنوار تجليات الربوبية لا الألوهية فقال: )رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ(. فأنت الذى تجعلنى أراك، والجواب: )قَالَ لَن تَرَانِى( ولم يقل لموسى لن أرى، فلم ينف الرؤية عن غيره، وأمهله فى طلبه هذا حتى يتحقق شرط معين: )وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً( (الأعراف: 143). فعلم أن الرؤية ليست له، ولكن لعبد أوحد لا نظير له بدءًا وختمًا، وقد وعده ربه بإجابة طلبه فى المستقبل البعيد بقوله: )فَسَوْفَ تَرَانِى(، ولكن بشرط أن يستقر الجبل، أى: لا تتحرك ذراته وهذا لا يكون إلا عندما يكون الزمن يساوى صفراً، وهذا لم يتحقق إلا ليلة الإسراء والمعراج، فعلم موسى أن وعد الله سيتحقق فى هذه الليلة، حيث يتجلى له الحق فى مظهر أكمل هو سيدنا ومولانا محمد، فظهور الله لجميع الخلق (تجلى) أما سيدنا محمد فله خصوصية، قال الإمام أبو العزائم: (رأى الله جلَّ الله فى غيب غيبه) ولم يقل: (رأى الله تجلى الله).. فافهم. ظل موسى ينتظر تحقيق وعد الله له، وفى ليلة الإسراء رأى رسول الله عندما كان يصلى فى قبره، ورآه مع الأنبياء والمرسلين فى بيت المقدس، ورآه فى السماء السادسة، وتملى موسى بمشاهدته والتمتع به، ولكن صورة حبيب الحبيب فى الخلوة الكبرى والجلوة العظمى، والجمال الذى ألبسه الحق لحبيبه ومصطفاه انبهر به موسى، وسأل ما سأل وتاه عن وعيه، وتمتع بالجمال الربانى فى الصورة المحمدية، وسكر موسى من رؤية الجمال الذاتى، ولكنه أفاق عند سماع: (أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى). وأنتم لا تتصورون هذا الآن، ولكن بعد عمر مديد سترون العجب العجاب فى عالم البرزخ.رابعًا: توقير النبى (صلى الله عليه وسلم) حديث الإسراء والمعراج يؤكد تعظيم النبى وتوقيره خلافًا لما عليه المتسلفة الوهابيين:ففى حديث البخارى ومسلم فى افتتاح جبريل ( عليه السلام )أبواب السماء مستأذناً دليل على أن القادم عظيم، واستئذانه- أى جبريل- أشعر الملائكة بأن الروح الأمين لا يتقدم للاستئذان إلا لعظيم فوقه وذلك ليهتموا بشأن من عظمه الله تعالى، ويحظوا بشهود أنوار المجلى فى هيكله، كما فازوا بعلم الأسماء من أبى مبناه وابن معناه آدم ، وفى استئذان جبريل وأدبه أخذ الصوفية الكمل آداب المرشد والمسترشد وآداب صحبة العارفين وخاصة الورثة من أهل بيته (صلى الله عليه وسلم) ، فهل تراهم بذلك خالفوا هدى النبى وأدب جبريل فى صحبته واستئذانه ووقوفه عند مقامه؟!!.أيتها الأبواق الوهابية: عودوا إلى الفهم الصحيح لهدى نبينا وقد صدق الله إذ يقول: )وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً( (الإسراء: 36)، وتأملوا تأدب الأنبياء معه بقولهم: (مرحباً بالأخ الصالح والنبى الصالح) ولم يقولوا: (مرحباً بمحمد) كما تتبجحون أنتم فى كلامكم!!.خامسًا: العلوم الوهبيَّة حديث الإسراء والمعراج يشير إشارة صريحة إلى العلوم الوهبية التى خص الله بها نبيه (صلى الله عليه وسلم) والتى تتقاصر عن فهمها الأرواح الكاملة فكيف تدركها الأشباح: ينكر أهل التشريك والتكفير والتبديع من الأبواق الوهابية فى هذا العصر ما يبينه الصوفية فى علومهم ومعارفهم من علوم خص الله بها حبيبه (ص)، وغيبيات استأثر بها دون غيره، وفى حديث الإسراء حينما صلى بالأنبياء بالمسجد الأقصى وأثنى كل نبى على الله بما يعلمه، أثنى (ص) بثناء خاص علمه الله إياه، كما ورد فى حديث أبى هريرة عند الحاكم وصححه البيهقى وذكره القسطلانى فى المواهب: أن الأنبياء أثنوا علـى ربهم... حتـى قال سيدنا محمد : الحمد لله الذى أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيراً ونذيراً، وأنزل علىّ الفرقان فيه تبيان كل شىء، وجعل أمتى خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتى وسطا، وجعل أمتى الأولين والآخرين، وشرح لى صدرى، ووضع عنى وزرى، ورفع ذكرى، وجعلنى فاتحاً خاتماً.فقال سيدنا إبراهيم: بهذا فضلكم محمد (صلى الله عليه وسلم) كان التقاء المصطفى بهم فى هذا الجمع المبارك النورانى من باب فضل الله عليهم، وتطبيقاً عملياً لميثاق الله الأول، وتحقيقاً لبيعة الله وميثاقه لهم من قبل، ورمزاً للوحدة الإيمانية قال تعالى: )وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( (آل عمران: 81).شهدوا أنوار المصطفى فى عالم الأرواح، وفى عالم البطون، وفى هذه الليلة تمتعوا بجمال رب العالمين فى الهيكل المحمدى.. وفى قوله سبحانه: ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) دليل على أن من الوحى ما هو مبهم فوق الإشـارة فكيف تبينه العبارة، قال تعالى: )وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ( (البقرة: 282)، وقال تعالى: )عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً( (الكهف: 65). رؤيا الأذان دليل الفتح الإلهى عند الأولياء: وفى شرع الأذان عن طريق الرؤيا، رد واضح ومحدد للذين ينكرون مشاهدات الأولياء، وفتوحات العارفين، ذكر صاحب السيرة الحلبية قول الحافظ السيوطى: أظهر من هذا أن يحمل على الحالة التى تعترى أرباب الأحوال ويشاهدون فيها ما يشاهدون، ويسمعون ما يسمعون، والصحابة y أجمعين هم رءوس أرباب الأحوال. ويقول الإمام أبو العزائم t: (إن الله جل جلاله وتقدست أحكامه شرع الأذان بطريق الرؤيا والإلهام، لتطمئن قلوب الأولياء أن لهم قسطا من ميراث رسول الله ((صلى الله عليه وسلم))، وأنهم يتلقونه بالإلهام بقلوبهم من ربهم حال المنام واليقظة). وفى الحلية ما رواه أبو نعيم قال((صلى الله عليه وسلم)): (ليلة أسرى بى أوتيت من العلم ثلاثًا: علم أمرت بإفشائه، وعلم أمرت بكتمه، وعلم خيرت بين كتمه وإفشائه). وفى الحديث: (إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به أنكره أهل الغِرَّةِ بالله) [الديلمى 1/210 حديث 802].وقد صدق الإمام أبو العزائم فى حكمه حينما يقول: (من حُرِمَ موهبةَ التسليمِ كان لهذا العلم غريم).ومن هنا اقتبس أهل المواجهة من الصوفية علومهم ومعارفهم التى لا تتعارض مع الكتاب والسنة من حديث الإسراء، حيث يقول الإمام أبو العزائم t عن أقسام البيان: تفصيل مجمل لمؤهل، أو كشف خفى لولى، أو كشف حجاب لأواب.سادسًا: اصطلاحات الصوفية حديث الإسراء والمعراج يشير إلى اصطلاحات الصوفية التى اقتبسوها من الكتاب والسنة على سبيل الفتح الإلهى، والإلهام الكشفى عندهم، وليست من أقوال الفلاسفة كما يدعى الوهابيون: المقام والحال: فى وقوف جبريل (عليه السلام ) عند سدرة المنتهى إشارة إلى علو مقامه، وكذلك وجود الأنبياء فى السموات (فى حديث البخارى ومسلم) يشير إلى أن هذه الأجسام الكاملة للأنبياء والأرواح المطلقة لها حد مخصوص ومقام معلوم. قال تعالى: )وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ( (الصافات: 164)، وهذا ما يسمى بالمقامات عند الصوفية، وترقى المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من سماء إلى سماء إلى أن جاوز السبع الطباق وتوارد الأحوال عليه والمشاهد فى كل سماء، هذا ما يسمى عند الصوفية بالأحوال. التخلى والتحلى والتجلى: إن المشاهد والمثل فى رحلة الإسراء التى رآها (صلى الله عليه وسلم) كأمثال المجاهدين والزناة وأكلة مال اليتيم، والربا والمرائين والنمامين- كل هذه المشاهد تشير إلى أن السالك إلى الله لابد له من التخلى عن الدواعى الملهية عن الله والتى تقطعه عن ربه، ثم يتجمل بأخلاق النبيين، ويتحلى بصفات الصديقيين من الرحمة والعلم والخلق والحكمة وهذا ما يسمى بالتحلى حيث قال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ( (الأعراف: 201). فهذه الآية الشريفة تشير إلى التحلى بعد التخلى، ثم يأتى بعد ذلك التجلى وهم سطوع أنوار العبادة والقرب على القلب فتمحو ظلمات الوهم والخيال والحظوظ والأهواء وتثبت أنوار الحق فلا يرى إلا الله فى كل شئ عند مقتضاه، وهذا هو التجلى، قال الإمام أبو العزائم t:التَّحلِّـى بالتَّخلِّـى بعد مَحْوى لِمَحَلِّى وانفصالى عن فِعَالى وسروى بالتَّجلِّى وكثير من هذه الاصطلاحات كالمحو والإثبات، والغيبة والحضور، وكل هذا معلوم مشهور من أحوال النبى (صلى الله عليه وسلم) والكمل من الصحابة والتابعين والوارثين من بعده.سابعًا: الجنة والنار الوهابية تكثر من الحديث عن عذاب القبر وأهوال يوم القيامة، بينما الإسراء والمعراج يوازن بين الجنة والنار ولمن يتوجه الخطاب بهما فى الحديث، فقد سمع النبى (صلى الله عليه وسلم) صوت الجنة والنار، وشم رائحتهما عند المسجد الأقصى، ورآهما عند سدرة المنتهى، ومشاهد الإسراء كلها رموز لحياة الإنسان فى الدنيا، والمؤمن الصادق يشم رائحة الجنة والنار هنا، ويسمع صوتهما أيضاً قال تعالى: )كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ( أى: هنا فى الدنيا، )ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ( أى: فى الآخرة. (التكاثر: 5- 7). وقال سيدنا عكرمة بن أبى جهل لسيدنا خالد ابن الوليد (رضى الله عنهما) فى إحدى الحروب مع الروم: (يا خالد إنى أشم رائحة الجنة ألك حاجة من رسول الله؟) (صلى الله عليه وسلم).1 – الجنة: ثم أتى على واد فوجد فيه ريحاً طيبة باردة وريح مسك وسمع صوتا جميلاً، فقال: ما هذا يا جبريل؟. قال: هذا صوت الجنة تقول: رب آتنى ما وعدتنى فقد كثرت غرفى، واستبرقى وحريرى وسندسى وعبقرى ولؤلؤى ومرجانى وفضتى وذهبى، وأكوابى وصحافى وأباريقى ومراكبى وعسلى ومائى ولبنى وخمرى. فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة. فقالت: رضيت. (نتعلم هنا: أن نخاطب المسلم والمؤمن بحديث الجنة).2 – النار: ثم أتى على واد فسمع صوتاً منكراً، ووجد ريحاً منتنة، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: رب آتنى ما وعدتنى فقد كثرت سلاسلى وأغلالى وسعيرى وحميمى وضريعى وغساقى وعذابى، وقد بعد قعرى واشتد حَرِّى. قال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وجبار لا يؤمن بيوم الحساب. قالت: رضيت. (نتعلم هنا: أن نخاطب المشرك والكافر والجبار بحديث النار) لكن الوهابية تخاطب المسلم والمؤمن بحديث النار!!.ثامنًا: النفع من عالم البرزخ حديث الإسراء والمعراج يبين أن الأنبياء أسباب فى النفع بوصفهم أحياء بالله: يؤكد حديث الإسراء أن الأنبياء فى حال انتقالهم للحياة البرزخية ينفعون كما كانوا فى الدنيا، إذ إن الله جعلهم أسبابًا للنفع والخير ولا فرق فى ذلك فى كون حياتهم أو مماتهم. وهذا خلافًا لقول الوهابية أن الأنبياء ينفعون فى حال حياتهم فقط وهذا وقوع فى الشرك عندهم، إذ إن نفع الأنبياء ليس ذاتيًّاً إنما هو لما يتجلى الله عليهم من اسمه النافع فى حال حياتهم أو بعد انتقالهم، فالصوفية يثبتون الأسباب ويشاهدون فيها مسبب الأسباب. وفـى حديـث المعراج أن سيدنا موسى سأله (صلى الله عليه وسلم): ماذا فرض الله عليك؟ فأخبره- وفى رواية جابر بن عبد الله عند البخارى قال موسى: بم أمرت؟ قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم- إلى أن قال سيدنا موسى: فارجع وسل ربك التخفيف، إلى أن خففت الصلاة من خمسين إلى خمس، وجعل ثواب الخمسين فى الخمس، وسيدنا موسى فى هذه الحالة فى حضرة الإطلاق حيث إنه انتقل من الحياة الدنيوية بالموت إلى الحياة البرزخية، مع ما خصه الله به من المقامات والدرجات، وهو مع ذلك يكون سبباً فى النفع- أى: فى تخفيف الصلاة- بقوله: فارجع وسل ربك التخفيف، ومن هنا كانت الصلة بين الأنبياء والصالحين، بل إن عامة المؤمنين- كما ورد- يسمعون ويشعرون ويدعون لإخوانهم بالصلاح والخير والهداية وهم فى عالم البرزخ كما ورد فى الحديث الذى رواه الإمام أحمد فى مسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا)، والأحاديث فى ذلك كثيرة تشير إلى تبادل المنفعة بين المؤمنين بعضهم لبعض فى حال الدنيا والحياة البرزخية، قال تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ... ( (التوبة: 71).وقال(صلى الله عليه وسلم): (حياتى خير لكم ومماتى خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، تعرض علىّ أعمالكم فإن وجدت خيراً حمدت الله، وإن وجدت غير ذلك استغفرت الله لكم) [أخرجه البزار]. وبذلك نرى أن عقيدة الصوفية هى العقيدة التى نص الله عليها فى كتابه وبينها رسول الله فى سنته، وهى عقيدة التوحيد الحق وليس التوحيد المظلوم من المجسمة والمشبهة.كلمة أخيرةالوهابية: فى البداية قالوا: (إما الوهابية وإما السيف)..ولما قضى عليهم محمد على t قالوا: (الوهابية أو التكفير) فكفَّروا الشيعة والصوفية والأشاعرة وغيرهم حتى لم يبق مسلم إلا هم.. وبعد ظهور البترول أغروا الفقراء والجُهَّال بالمال. والآن اظهروا حقيقتهم : (فالسُّنِّىُّ فى فلسطين إذًا قاوم اليهود واستشهد فهو منتحر) [فتوى عبد العزيز آل الشيخ فى مايو 2005م].(والشيعى فى لبنان إذا قاوم اليهود فهو كافر) [فتوى ابن جبرين فى يوليه 2006م].إذا فهم يحمون اليهود من السُّنِّىِّ والشِّيعىِّ لأن اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا.. هذه هى حقيقة من يمنعون الاحتفال بالإسراء والمعراج!!.نسأل الله تعالى أن يكشف لقلوبنا حقيقة الجمال الربَّانى, الذى به ننجذب بكليتنا إلى الرضوان الأكبر. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله أجمعين. | |
|