الرأى الآخر : مبارك أطهر مما تظنون

أدلوا برأيكم فى هذه المقالة وصاحبها بكل حيادية
مبارك أطهر مما تظنون

الثلاثاء, 28 يونيو 2011 12:31

بقلم : محمود الفقي ( من جريدة الوفد )

كان عمرو حمزاوي ومحمد كمال فرسي رهان يحلمان بنظرة عطف من جمال مبارك وشاء الحظ أن يكون كمال هو المختار فيُلملم حمزاوي شتات حُزنه ويرحل إلى ألمانيا وتأتي الانتفاضة (لم تصل بعد لمرحلة ثورة فالنظام باق ولن يتغير إلا بسجن ثلاثة أرباع المصريين لكونهم فاسدين أو مشاركين بصورة غير مباشرة في الفساد ثم التحقيق معهم مما قد يستغرق ألف سنة أو اللجوء للمصالحة). صار حمزاوي هو البطل وتوارى كمال في الظل، وعليه فتلخيص الانتفاضة المصرية في كلمة واحدة هي: "شالو ألدو وحطو شاهين" وأمست خرابا يا برِنس ويمكنك أن تضع نقطة وينتهي المقال.
لي صديق أمريكي من أصل مصري سألته: كيف رأيت القاهرة في الثمانينات (يمكنك أن تقول الثمانينيات وهي الأفصح لكن جريا على قاعدة التخفيف في العربية قل الثمانينات) وتراها الآن في ختام عهد مبارك؟ أجاب: كانت القاهرة في بداية الثمانينات قذرة وبنيتها التحتية متهالكة تعوم على طفح الصرف الصحي والطرق مهشمة والمواصلات نادرة والخدمات الجيدة أندر من بيض الأنوق، والآن الفرق بين قاهرة الأمس وقاهرة اليوم فرق ما بين السماء والأرض، لقد بنى هذا الرجل بالفعل بنية تحتية أبهرت السعوديين أصحاب البنية التحتية المتهالكة التي إن نزلت بعض الأمطار قتلت منهم عشرات وطفحت بالوعات الصرف الصحي لتغرقهم جميعا في بركة من البراز! أصدقائي السعوديون (الكلام لصديقي) مدهوشون من كمية المدارس التي بنيناها في مصر (خمسون ألف) ومن كل هذا القدر من الكباري والطرق والمشافي.
أزيد على كلام صديقي أن قريتي الآن قد صارت مدينة رُصفت أغلب شوارعها وسلوا مهندسي الطرق كم يتكلف رصف المتر الواحد.
نشرت نيويورك تايمز وصندوق النقد والبنك الدوليان تقريرا يثني على جهود حكومة نظيف ونسبة النمو وتوقع أن تكون مصر في 2018 من النمور الاقتصادية الكبيرة عالميا وبالأرقام، ورغم أني مع الثورة (بالأحرى الانتفاضة) فإن الواقع قد تحول إلى خراب مع مليوني نجم وبطل يتبادلون المكلمات في الفضائيات (صوت ضحكاتي مجلجلة مع دموع مالحة).
أحمد نظيف في رأيي وبالأرقام أعظم رئيس للوزراء أنجبته مصر في العصر الحديث وحتى جامعة النيل وهي مأثرة من مآثره قد خربوها لعيون النرجسي زويل الذي زار إسرائيل وأعطى أبناءها منحا ودرَّس في جامعة بن جوريون وقدم فروض الولاء والطاعة بينما لم يزر مبارك إسرائيل إلا مرة واحدة يوم موت رابين!
يوسف بطرس من أعظم العقول الاقتصادية في العالم بشهادة العالم بل خذ هذه الصدمة محمد إبراهيم سليمان من أعظم العلماء قاطبة في مجاله، ورشيد محمد رشيد من أنزه الناس في هذه الدنيا!
لكن ما الفرق بين زويل ومحفوظ وقد قال إدوارد سعيد عن الأخير: لقد نال نوبل لأنه قبل بالدخول في اللعبة الصهيونية وبالتأكيد فضائيونا الثرثارون يفهمون الغرب والاستشراق والنقد وتحليل الخطاب أكثر من إدوارد وهل يفهم إدوارد شيئا بجانبهم؟!
أما عن خرافة أن مبارك قد سرطن الشعب وأمرضه فتلك من المضحكات إذ ما الذي جعل هاجس الأمريكيين الأول هو السرطان وفضلا ابحثوا عن نسبته في أمريكا في موقع كانسر دوت أورج لتصابوا بالهلع وعن العشرة آلاف الذين يموتون سنويا في بريطانيا بسرطان البروستاتا ولم يخرج صحفيوهم المتخصصون ليشتموا وزير الزراعة هناك بينما شهد العلامة د. أحمد مستجير بنزاهة والي لكن وهل مستجير يفهم شيئا بجانب علمائنا الفضائيين الحاذقين المتحاذقين؟!
بين كل ثلاثة سعوديين واحد مريض بالسكر ونسبة البطالة بين الشباب 30 بالمائة وهي أكثر دولة خليجية بها معدل فقر عال جدا والبحرين بها أناس لا يجدون الطعام.
وعن موقف مبارك من حماس فهو مُحق مائة في المائة لانتهاكها السيادة المصرية وتعاملها مع إيران وقتلها لجنودنا على الحدود ورغبتها في فرض إمارة إسلامية على حدودنا بل لقد ساعد مبارك الفلسطينيين كثيرا بالسلاح وحدثت مشكلة كبيرة بينه وبين شارون وأرغم شارون على الرضوخ لإرادته الوطنية الحرة ولهذا تفصيل سأعود إليه. ثم لا يمكن أن يسهر القادة الفلسطينيون في خمارات أوروبا وأمريكا ويبنون القصور (راجع رسالة دحلان الأخيرة لفتح وما فيها من أهوال) ونحارب بدلا منهم!!
وأما عن العشوائيات ففي فرنسا عشوائيات وعلى بعد أمتار من البيت الأبيض عشش السود الذين لا يجدون ما يأكلون وفي الجزائر التي تعوم على بركة نفط يعيش الناس في عشش الصفيح لكنهم لم ينتفضوا ليخربوها ثم يقفوا في نصف الطريق فلا غيَّروا ولا ترفهوا. والأهم أن العشوائيين في مصر وضعوا أيديهم على أرض لا يملكونها ويبتزون الحكومة ومنهم كثيرون بلطجية ومدمنون ومنهم فقراء مساكين.
أنا ابن البارحة عمري ثلاثون عاما من عهد مبارك وتعلمت في الجامعة بنصف جنيه في السنة وسكنت مدينة جامعية كنت آكل ما لا آكله في بيتي (كنت فقيرا معدما لا أجد الطعام والآن لي حسابان من عرق جبيني بالمصري والدولار وهكذا الدنيا) ومصاريف المدينة في السنة كلها 120 جنيها فقط أدفعهم باليمين وآخذ باليسار أضعافهم مضاعفة من المسابقات الثقافية والرياضية بالمدينة!!!
اشتراك القطار في العام كله 28 جنيها ولما صار خمسينا لصيانة القطارات حطم الطلاب المهذبون ومنهم أغنياء شباك الموظف المسكين وضربوه! مكتبتا الكلية والمدينة الجامعية تسحران الألباب ولا أحد يدخلها غيري حيث كنت أتلقى أطنانا من السخرية فما ذنب الحكومة؟!
التعليم في مصر لن تنهض به حكومة لأن هذا هراء! لا مناص عن مشاركة أهلية وأنا أعرف يقينا أن المصري يمكن أن يدفع على بطنه ومزاجه الآلاف ولن يدفع شيئا لدعم التعليم مثلما يحدث في كل دول العالم التي ليس فيها تعليم مجاني، وأعظم جامعة في الدنيا وهي هارفارد أهلية أي بوقفٍ خيري من الناس. أقول المصري لا يدفع للتعليم ولا يتبرع ليس بخلا وإنما جهل لأنه شعب لا يعي قيمة التعليم ويحسبه رفاهية فأخبروني ما ذنب الحكومة؟!
الفتنة الطائفية راسلوني أعطكم مقال الباحثة تريشيا يوه في مجلة سنتو سيرف الماليزية وستدور عقولكم مما تعانيه ماليزيا من فتنة طائفية وفقر وجهل وإلى الآن لم يحدِّث عباقرتنا معلوماتهم وكل يوم يقولون ماليزيا هي الأنموذج!
لكن ما الحل؟ الحل في سطر واحد جاء في مقال مايكل آيزنشتادت أمس بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعنوان "السياسة الأمريكية تجاه العراق: تحديات مستقبلية":
" المصالحة الوطنية الواسعة التي حدثت على سبيل المثال في الأرجنتين والسلفادور وجنوب إفريقيا."
اللهم طهر قلوبنا من شهوة الانتقام وبصِّرنا بالطريق إلى الأمام وخفف عن مبارك ما فيه من آلام فإنه يا ربي لحمنا ودمنا ما فيه فينا وما فينا فيه وليس بكامل في البشر إلا الحبيب المصطفى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علَّمنا العفو والتسامي.
mfiqy@yahoo.com